للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أثبت للماء الطهورية وأنه لا ينجسه شيء أي (١) إلا ما غيره وبدله، فعلَّق النبي عليه الصلاة والسلام الحكم بالطهورية وجعل الماء متصفاً بهذه الصفة ملازماً لها لا ينجسه شيء ولم يربط ذلك بتحديد بقلتين ولا بغيرهما.

قالوا: والحديث الذي استدللتم به حديث ضعيف، فقد رواه مجاهد عن ابن عمر موقوفاً من قوله (٢) ، وهذا الحديث لم يشتهر عن غير ابن عمر وهو أمر عظيم فيه تحديد في المياه، فينبغي أن يشتهر كالتحديد في الزكاة ونحوها.

ـ ولكن الراجح أن هذا الحديث صحيح، وأما تعليلهم بالوقف له فهو ضعيف؛ لأنه قد رواه عنه ليث بن أبي سليم، وليث ضعيف.

ثم إنه هنا لا يعلل رفعه بوقفه، فلو صح موقوفاً لصحّ أن يكون أيضا مرفوعاً إذ الإسنادان كلاهما صحيح لا مرجح لأحدهما على الآخر.

ومادام أنه لا مرجح لأحدهما على الآخر فإننا نقبله مرفوعاً وموقوفاً.

ـ أما التعليل بعدم الشهرة، فنقول: هذا حديث ثابت صحيح رواه كثير من الأئمة في كتبهم وصححه جماعات كثيرة من أهل العلم، فلا يشترط فيه الشهرة المقصودة المطلوبة، ثم إنه سيأتي تأويل له يدل على أنه ليس كتحديد الزكوات ولا غيرها، وهو الوجه الثاني لإثبات هذا القول.

ـ وهو أن يقال: إن هذا الحديث ليس فيه أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس.

وإنما فيه إثبات أن الماء إذا بلغ القلتين فإنه لا يحمل الخبث لكثرته وقوته.

وأنه إذا كان دون القلتين فإنه قد يحمل الخبث لضعفه.

إذن هذا الحديث فيه إخبار من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الماء الكثير لكثرته لا يحمل الخبث، فليس فيه أن الماء القليل يحمل الخبث بل فيه إلفات النظر والانتباه إلى هذا الماء، فإنه لقلته قد يحمل الخبث فعليك أن تنظر فيه وأن تتحرز من تغيير النجاسة له.


(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب: أي شيء.
(٢) لم أر الموقوف في السنن الأربعة ولا في المسند.