وأعجب من هذا - أنهم يذكرون في مصنفاتهم: أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم! فسبحان مقلب القلوب كيف يشاء، كيف يجتمع في قلب من له عقل ومعرفة أن الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأنهم الذين شاهدوا التنزيل، وعلموا التأويل، وأنهم أهل اللغة الفصحاء واللسان العربي، الذين نزل القرآن بلغتهم، وأنهم الراسخون في العلم حقا، وأنهم متفقون على عقيدة واحدة، لم يختلف في ذلك اثنان، ثم التابعون بعدهم سلكوا سبيلهم، واتبعوا طريقهم، ثم الأئمة الأربعة، وغيرهم مثل الأوزاعي والسفيانين وابن المبارك وإسحاق، وغيرهم من أئمة الدين الذين رفع الله قدرهم بين العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، كل هؤلاء على عقيدة واحدة مجمعون، ولكتاب ربهم وسنة نبيهم متبعون، ثم بعد معرفته لهذا وإقراره يقوم في قلبه أن عقيدة الخلف أعلم وأحكم من طريقة السلف؟! فسبحان من يحول بين المرء وقلبه، فيهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء: ٢٣] .
وكيف يكون الخالفون أعلم من السابقين؟! بل من زعم هذا فهو لم يعرف قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين حقيقة المعرفة المطلوبة، فإن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: