قال الحافظ الذهبي: وقال القرطبي أيضا في الاستواء: الأكثر من المتقدمين والمتأخرين المتكلمين، يقولون: إذا وجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتحيز، فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للتحيز والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين.
ثم قال الذهبي: قلت: نعم، هذا ما اعتمده نفاة الرب عز وجل، أعرضوا عن الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق، وإنما يلزم ما ذكروه في حق الأجسام، والله تعالى لا مثل له، ولازم صرائح النصوص حق، ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر، ثم نقول: لا نسلم أن كون الباري على عرشه فوق السماوات يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنه الأئمة، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان؛ محتجين بقوله:{وَهُوَ مَعَكُمْ}[الحديد: ٤] .
فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم. فأما القول الثالث للتولد بآخره بأنه تعالى ليس في الأمكنة ولا خارجا عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متميزة ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات، ولا، ولا، فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفات