واعلم أن كثيرا من المتأخرين يقولون: هذا مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها: إقرارها على ما جاءت مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد. وهذا لفظ مجمل، فإن قول القائل: ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين. فلا شك أن هذا غير مراد. ومن قال هذا فقد أصاب، لكن أخطأ في إطلاق القول: إن هذا ظاهر النصوص، فإن هذا ليس هو الظاهر، فإن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة؛ إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري وننزه ذاته المقدسة عن الأشياء من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها ونعقل وجودها، ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها، أو نشبهها، أو نكيفها، أو نمثلها بصفات خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى الاستواء الاستيلاء، ولا معنى نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا نزول رحمته ونحو ذلك، بل نؤمن بأنها صفات حقيقة، والكلام فيها كالكلام في الذات يحتذى فيه حذوه، فإذا كانت الذات تثبت إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية.
ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها ولا يدري ما أراد الله