ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال بالمجاز في الاستواء، وأن الاستواء بمعنى الاستيلاء، لأن الاستيلاء في اللغة بعد المغالبة، والله لا يغالبه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة على أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبادات، وجل الله أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة، وهو العلو والارتفاع والتمكن في الشيء، فإن احتج أحد علينا، وقال: لو كان كذلك لأشبه المخلوقات؛ لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته فهو مخلوق.
قيل: لا يلزم ذلك، لأنه تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ، ولأنه لا يقاس بخلقه كان قبل الأمكنة، وقد صح في العقول وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم، فكيف يقاس على