والممثلون عطلوا حقيقة ما وصف الله به نفسه من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وشبهوا صفاته بصفات خلقه، فمثلوا أولا وعطلوا آخرا.
فمن فهم من نصوص الكتاب والسنة في صفات الرب جل وعلا ما يفهمه من صفات المخلوقين، فقد ضل عقله ودينه، وشبه الله بخلقه، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١] .
ومن نفى ظاهر النصوص، وزعم أنه ليس لها في الباطن مدلول هو صفة لله، وأن الله لا صفة له ثبوتية، أو يثبت بعض الصفات كالصفات السبع ويؤول ما عداها؛ كقوله: استوى بمعنى استولى، أو بمعنى علو المكانة والقدر، وكقوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة: ٦٤] أي: نعمتاه نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، ونحو ذلك مما قد عرف من مذهب المتكلمين.
فهؤلاء نفاة الصفات، ومذهبهم مأخوذ عن جهم بن صفوان، فإن أول من حفظ عنه إنكار الصفات هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه، والجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي، الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم. وكان انتشار مقالة الجهمية في المائة الثانية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته. وكلام