{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل: ٦٦] ، فهو وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين.
فلما قررنا عقيدتنا في أول الجواب، وأوردنا على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة - أتبعنا ذلك بفصل ذكرنا فيه بعض ما ورد عن الصحابة والتابعين وتابعيهم، يؤيد ما ذكرناه، ويحقق ما قلناه؛ لأنهم مصابيح الدين وقدوة العالمين، وهم أهل اللغة الفصحاء واللسان العربي، فإن الصحابة رضي الله عنهم قد شاهدوا نزول القرآن ونقلوه إلينا وفسروه، فهم قد تلقوا ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون؛ فتعلموا من الصحابه ألفاظ القرآن ومعانيه، فنقلوا عنهم تأويله كما نقلوا تنزيله، ونقلوا الأحاديث الواردة في الصفات، ولم يتأولوها كما تأولها النفاه، بل أثبتوها صفات حقيقة لرب العالمين، منزهة عن تعطيل المعطلين وتشبيه المشبهين. فإن الصحابة رضي الله عنهم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، وهم سادات الأمة وكاشفو الغمة، فالمسلمون بهديهم يهتدون، وعلى منهاجهم يسلكون، ثم إنا لما نقلنا كلام الصحابة والتابعين وتابعيهم أتبعناه بفصل ذكرنا فيه كلام الأئمة الأربعة، أئمة المذاهب المتبعة؛ ليتبين صحة ما قلناه وما إليهم نسبناه، ويعلم من كان قصده الحق أن الأئمة على عقيدة واحدة مجمعون، وللسلف الصالح متبعون، فلما تبين ما قلناه، واتضح ما قررناه أحببت أن أختم هذا الجواب بفصل أذكر فيه بعض ما قاله العلماء بعدهم؛ ليعلم الواقف على هذا الجواب أن هذا الاعتقاد الذي ذكرناه هو اعتقاد أهل