وعلى أية حال فهذا التفسير ناشئ عن تصور غير سديد لنشأة القراءات القرآنية، وفهم غامض لأصلها، وكأن جولد تسيهر ومن حذا حذوه يتوهمون أن القراءات ظهرت بعد كتابة المصحف الإمام، وكانت أثرًا للطريقة التي اتبعت في كتابته.
وهذا وهم عجيب؛ لأن المعلوم لكل من له أدنى دراية بعلوم القرآن أن القراءات ثبتت بأسانيد متواترة مرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن أي قراءة تفقد السند الصحيح، أو تواتره لا يؤخذ بها.
كما كانت القراءات في روايتها، وتداولها تعتمد على المشافهة والتلقي، وهذا منهج أدخل في التدقيق وللتحقيق والتحري والضبط، وكأن تدوين المصحف مجرد مرجع يفزع إليه القوم لحسم ما ينشأ من خلاف.
والدليل على سداد هذا المنهج أن الرواة أنفسهم كانوا يعرفون قيمته.
يقول الحسن بن هانئ في مدح خلف الأحمر.
لا يَهِم الحاءَ في القراءة بالخا ... ء، ولا يأخذ إسناده من الصحف
كما قيل في رثائه:
أودى جماع العلم مذ أودى خلف ... رواية لا يجتني من الصحف١
فقبل تدوين المصحف في عصر عثمان، وفي أثناء التدوين وبعده كان القرآن في صدور الجمهرة من الصحابة والتابعين على أتم صوره وأدقها،