قرأ حمزة وحفص بنصب "البر" الأولى، قرأ الباقون بالرفع.
فعلى النصب يكون البر خبرًا لليس مقدمًا، ويكون {أَنْ تُوَلُّوا} مصدرًا مؤولًَا اسمًا ليس، والمعنى: ليست توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر كله.
وعلى الرفع يكون {الْبِر} اسمًا لليس، والمصدر المؤول خبرًا لها والمعنى: ليس البر كله توليتكم.
فكلتا القراءتين له وجه قوي في النحو؛ لأن الاسم والخبر كليهما معرفة، وفي هذه الحالة يجوز في كل منهما أن يكون اسمًا أو خبرًا.
لكن يرجع الأولى: أن الاسم فيها هو المصدر المؤول وهو معرفة لا تتنكر، والبر يتنكر فهو أقوى تعريفًا من المحلى بأل، كما أن "أن وصلتها" تشبه المضمر؛ لأنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، ومن الأصول أنه إذا اجتمع مع ليس وأخواتها مظهر ومضمر، فالمضمر هو الاسم والمظهر هو الخبر؛ لأنه أعرف.
وكذلك أن وصلتها في تقدير الإضافة إلى المضمر؛ لأن معناها "توليتكم" والمضاف إلى المضمر أعرف مما فيه أل، والأعرف أولى أن يكون هو الاسم. وأمر آخر هو أن تعريف البر ضعيف؛ لأنه يدل على الجنس لا على شخص بعينه، وتعريف الجنس ضعيف؛ لأنه يشبه النكرة.
كما يرجع قراءة الرفع:"لَيْسَ الْبِّرُ" أن اسم ليس كالفاعل، ورتبة الفاعل أن يلي الفعل، فإذا نصبته كان لا بد من نية تأخيره على الخبر، ومجيء الكلام على رتبته التي أتت بها التلاوة أولى من التقديم والتأخير.
كما يقوي الرفع مجيء "البّر" مرفوعًا في الآية ١٨٩ من السورة: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ؛ إذ لا يجوز هنا إلا الرفع فحمل الأول على الثاني أولى من المخالفة١.
كما يقويها ما جاء في مصحف ابن مسعود وأُبَيّ: "لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن