فالروح نزل به على قلب النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فلم تكن هناك فرصة للنسيان؛ لأن النسيان أو السهو يعرض لمن يتلقى شيئًا في المرحلة الأولى من مراحل التلقي، فإذا وصل القلب وثبت فلا سبيل لنسيانه، وهذا أمر اختص الله به نبيه حفاظًا على الكتاب الخاتم.
ولأجل هذا عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يردد العبارة القرآنية في أثناء التلقي قال له ربه:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ} كما قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} .
٢- عندما كانت تنزل الآيات من الكتاب العزيز، ويتلقاها الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمها لأصحابه فيحفظونها ثم يتجهون للعمل بها، والعمل من أقوى العوامل للحفظ، ويأمر كتاب الوحي، وهم كثير، وعلى رأسهم زيد بن ثابت فيكتبونها على العظام والأحجار وسعف النخل وإمعانًا في المحافظة نهى النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الفترة عن تدوين شيء غير القرآن. وقال: لا تكتبوا عني، ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج"١.
٣- تلقى الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن من عند ربه بكل صور الأداء التي تستبقي معانيه، وتحافظ على أهدافه ورسالته، وتيسر لكل القبائل على اختلاف لغاتها تلاوته، وروى الصحابة عن النبي هذه القراءات ورددوها، حتى إذا اختلفوا رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستمع منهم فيقول: "كذلك أنزلت".
فهذه القراءات المروية بالتواتر سبب من أسباب الحفظ؛ إذ لو كان على حرف واحد وترك للألسنة المختلفة تعانيه قد يدفعها ذلك إلى التحريف والتغيير، فكانت القراءات المتواترة محققة للصيانة والحفظ