تنبيه: قال أبو جعفر الطحاوي الحنفي في كتاب مشكل الآثار أن المكاتب إذا كانت له قدرة على الأداء فتأخر ليتسع له النظر إلى سيدته بملكها إياه فحرام عليه؛ لأنه منع واجبا عليه ليبقى له ما يحرم عليه إذا أداه. ونقله عن الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج"، عند الكلام في نظر العبد إلى سيدته وقال: إنه تخريج حسن لا يبعد من جهة الفقه.
وبنى عليه الطحاوي أن الأمة المكاتبة إذا قدرت على الأداء؛ فعليها أن يصلي بقناع -وأن تعتد عدة الحرة ولا تسافر إلا مع محرم، والعبد المكاتب لا زكاة عليه؛ فإذا أخر الأداء مع قدرته عليه كان حراما عليه.
قال الوالد -رحمه الله- وبعض ما ذكر الطحاوي مردود وبعضه لا بأس به فإن تعبير الأحكام من إيجاب القناع على الأمة واعتدادها اعتداد الحرة يعتبر حكم الشرع.
وتحريم تأخير الأداء مع القدرة لا بأس به وإن كانت الكتابة جائزة من جهته لكنه قادر.
وتحريم نظره والنظر إليه؛ إما لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه كما يقول أصحابنا -المشرف على الزوال كالزائل، وإما عقوبة له، وإما لأن في تمكينه من النظر إعانة له في تأخير الواجب فلا بأس بذلك.
قلت: وأما معاملة له بنقيض قصده، ولأجل هذا ذكرناه في هذه القاعدة المنقول من كلام الطحاوي هنا أنه يحرم عليه تأخير الأداء لأجل تفاحل النظر إلى سيدته، وأنه يحرم عليه النظر معاملة له بنقيض قصده.
وأما الصلاة بقناع والاعتداد عدة الحرة؛ فلا سبيل إليهما وهي أمة، ولا وجه له ولو تم ذلك لكان يلزمه أن يقول: إن المكاتب يعطي بمجرد القدرة على الأداء ثم يلزم بالأداء؛ لكنه لم يقل بذلك.
واعلم أن أصحابنا مختلفون في أنه هل للمكاتب أن يفسخ عقد الكتابة؟
فعلى القول بأن له الفسخ -وهو المرجح عندهم- قد يقال: إن فيه ردا على من حرم تأخير الأداء، أو يمكن الجواب بأن تأخير الأداء حرام؛ فإما أن يؤدي، وإما أن يعجز نفسه ويرتفع عقد الكتابة، وقد ذكرت هذا في "التوشيح".