قاعدة: مترددة في غضون كلام أكثر الأصحاب "إعمال الكلام أولى من إهماله"، واستشهد صاحب التتمة لها -في كتاب البيع في مسألة وهبتك بألف يقول الشافعي رضي الله عنه فيمن أوصى بطبل وله طبل حرب وطبل لهو: يحمل على طبل الحرب لتصح الوصية، وتبعه صاحب البحر في هذا الاستشهاد. وذكر ابن الرفعة في "المطلب في باب الوصية عند الكلام في الوصية للدابة أن الإمام حكى في كتاب الطلاق فيما إذا تردد اللفظ على وجه يحتمل الاستحالة، ويحتمل إمكانا أن من الأصحاب من لا يبعد الحمل على الاستحالة، ومنهم من يوجب الحمل على الإمكان حتى لا يلغي اللفظ، ومن هذا ما إذا قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق.
وأقول: محل القاعدة فيما إذا استوى الإعمال والإهمال بالنسبة في الكلام أو تقاربا، كمسألة الطبل؛ فإن الطبول بالنسبة إلى لفظ الطبل فيحمل على ما يصح سواء كان عنده النوعان من الطبول أو لم يكن عنده؛ فإن لم يكن عنده إلا طبل اللهو فالوصية باطلة؛ لأن قرينة كونه عنده يرشد إلى أنه الموصي به، فاضمحل هنا احتمال الإعمال.
ومن ثم نقول: أما إذا بعد عن اللفظ وصار بالنسبة إليه كاللغز فما الإعمال راجحا وبين القرب والبعد الدرجات.
وبعد ما كتبت هذا وجدت نحوه في كلام الوالد رحمه الله في باب الوصية كلام على الوصية للدابة؛ فإنه ذكر بعدما حكى ما حكاه ابن الرفعة عن الإمام من الخلاف ما نصه: هذه القاعدة؛ حيث يكون تردد اللفظ على السواء أو لا يكون على السواء؛ ولكنه راجع إلى موضوع اللفظ مع احتمال قريب، أما إذا لم يكن للفظ إلا موضوع واحد واحتمال لا يحتمله إلا مكلف فالمصير إليه بعيد، والوقوف عند موضوع اللفظ واجب، وإن كان مستحيلا إذا لم يدل دليل على ذلك للمحتمل البعيد. انتهى.
فلله الحمد على أن وقع ذهني وفهمي على ما وقع عليه ذلك الحبر، وها أنا ذاكر مسائل: ما جزم فيها بالأعمال فلقربه، وما جزم به فيه بالإهمال فلبعد الإعمال وما تردد فلتردد النظر.
ومنها: أوصى بعود من عيدانه وله عيدان لهو غير صالحة لمباح وعيدان قسي وبناء؛ فالأصح بطلان الوصية تنزيلا على عيدان اللهو؛ لأن اسم العود عند الإطلاق له واستعماله في غيره مرجوح وليس كالطبل: لوقوعه على الجميع وقوعا واحد كذا فرق