للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها "بمنى" يومئذ والاقتدار به أفضل أو في المسجد لأجل المضاعفة؟ فقال: بل في "منى" وإن لم تحصل بها المضاعفة؛ فإن في الاقتداء بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير ما يربو على المضاعفة.

فإن قلت: كيف تقولون في قوله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي ... " أنه يعم الفرض والنفل. وقد تطابقت الأصحاب ونص الحديث على أن نافلة المرء في بيته أفضل لم يستثن [إلا ما لا يتأتى] ١ إلا ما يستحب له في المسجد كالعيد ونحوه أو ما لا يتأتى إلا فيه كركعتي الطواف.

قلت: هذا من القبيل الأول: فلا يلزم من المضاعفة في المسجد أن يكون أفضل من البيت، والظاهر أنه ذو وجهتين، وبالوجهتين تتم المضاعفة في نافلة [المساجد] ٢ وإن لم يوجد في فرائض غيرها.

وغاية الأمر أن يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل ولا يلزم من ذلك جعله أفضل؛ فإن للأفضل مزايا كما أن للمفضول مزية. وبذلك صرح الشيخ عز الدين بن عبد السلام؛ فقال: قد يقدم المفضول على الفاضل في بعض الصور، كتقديم الدعاء بين السجدتين على القراءة ولقد سألت الشيخ الإمام تغمده الله تعالى برحمته أو سئل. وأنا أسمع عن حديث "المتحابون في الله على منابر من نور تغبطهم الأنبياء ... الحديث٣ - كيف يغبط الأنبياء المتحابين وهم أرفع درجة؟

فقال: لعل هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب، والأنبياء عليهم السلام لا بد أن يسألوا عن التبليغ، وهيبة الرب خطيرة؛ فحالهم وإن كان أرفع؛ إلا أنهم يغبطون السالم من هذا العبء لراحته، ولا يلزم أن يكون حال الراحة أفضل.

هذا حاصل كلامه.

ومما يدل على أن المفضول قد تكون له مزية ليست للفاضل حديث "من وافق


١ سقط في "ب".
٢ في "ب" المسجد.
٣ أخرجه أحمد من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه في المسند ٥/ ٢٣٩ والترمذي ٤/ ٥٩٧ في الزهد/ باب ما جاء في الحب في الله "٢٣٩٠" والطبراني في الكبير ٢٠/ ٨٨ "١٦٨" والحاكم في المستدرك ٤/ ٤١٩-٤٢٠ في كتاب الفتن/ باب المتحابون في الله.