للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: الكتابة لا تجب وإن طلبها الرقيق الكسوب -على المذهب- وقد كانت المعاملة قبلها ممنوعة؛ لأن السيد لا يعامل عبده.

ومنها: التنحنح في الصلاة إن بان به حرفان بطلت، على ما صححه الرافعي والنووي؛ فلو تعذر الجهر إلا به كان -على وجه- عذرا إقامة لشعائر الجهر فعلى هذا الوجه ترك الواجب -وهو ترك التنحنح- لأجل سنة، وهو الجهر.

ومنها: قطع السلعة المخوف بقاؤها جائز غير واجب.

ومنها: على الجديد -يجوز أو يستحب للغاسل غسل عانة الميت، قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة١ في كتاب السواك: وذلك لا يتأتى من الغاسل إلا بنظره إلى العورة أو لمسها وكلاهما محرم، قال: فقد بطل بهذا قول أصحابنا لا يترك الواجب إلا للواجب.

ومسائل هذا الفصل كثيرة؛ فليقع الاقتصار على ما ذكرناه، وهذه الصور التي ذكرها الشيخ شهاب الدين تقبل من المنازعة ما لا يقبله غيرها؛ فإنا وإن أوجبنا حلق عانة الميت -وليس هو الذي يفتي به- فإنما ذلك لأن ما يحصل من النظر والمس أن فرض أنه لا بد من حصوله قدر يسير بالنسبة إلى إزالة هذا القدر عن الميت.

وبهذا الطريق إلى زبدة من الكلام فنقول: لعل الضابط -والله أعلم في تعارض النفل والفرض أن يقال: إن لزم من فعل النفل ترك الفرض بالكلية فلا اكتراث بالنفل، والفرض أفضل مطلقا؛ وإلا فالنفل مقدم في الحقيقة.

إنما احتمل ترك فرض في زمن يسير لا يحصل به تمام الغرض منه لنفل حصل تمام الغرض منه؛ ألا ترى إلى جواز نظر الطبيب للعورة مداواة وما ذاك إلا لأن زمن


١ عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون المتنوعة شهاب الدين أبو القاسم المقدسي الدمشقي الفقيه المقريء النحوي المحدث المعروف بأبي شامة -لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر ولد بدمشق. في أحد الربيعين سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال ابن كثير رحمه الله وكان ذا فنون كثيرة وكان تاج الدين الغزاوي يقول بلغ الشيخ شهاب الدين رتبة الاجتهاد، توفي رحمه الله في رمضان سنة خمس وستين وستمائة.
- ابن السبكي ٥/ ٦١، ابن قاضي شهبة ٢٠/ ١٣٣، مرآة الجنان ٤/ ١٦٤، وفوات الوفيات ١/ ٢٥٢، البداية والنهاية ٣/ ٢٥٠، بغية الوعاة ص٢٩٧.