وقد يقال: إنه معارض لقول الأصحاب: "الأصل الصحة" وجنوح إلى اختيار صاحب التهذيب الذي سنحكيه.
وليس كذلك: فإن مورد الكلامين مختلف؛ فما قاله "في التحقيق" معناه أن العقود الجارية بين الناس -وإن لم يجر فيها تنازع بين المتعاقدين- أصلها الصحة أو الفساد؟
فنقول: دعوى كل واحد من هذين الأمرين يحتاج إلى دليل.
فإن قلت: فلم ترددتم في قول القائل "والله لا بعت هذا" هل يحمل على الصحيح، أو على أعم منه ومن الفاسد.
قلت: المأخذ غير ما نحن فيه؛ فالتحنيث بالفساد لكونه يسمى بيعا وعدم التحنيث به لأن الإطلاق محمول على ما يتبادر إلى الذهن عرفا، وهو الصحيح. ومعنى قولهم في باب اختلاف المتبايعين: "القول قول مدعي صحة العقد -إذا تنازع المتعاقدان في العقد الواقع بينهما- أوقع على وجه صحيح، أو فاسد؟
والصحيح -فيما علمت- من أن القول لمدعي الصحة، وفيه كلامان:
- أحدهما، أن مدعي الصحة، قد يجزم بقوله كما إذا اختلفا في صفة المعقود عليه؛ فقال أحدهما هو حر الأصل، وأنكر الآخر، لأن قول مدعي الفساد لم يعتضد بأصل، ولا ظاهر.
وقد يختلف فيه، كما إذا تنازعا في صفة العقد فادعى أحدهما انضمام شرط مفسد -كخيار مجهول- قال الشيخ الإمام: فهذا محل الخلاف.
وقد يكون الاختلاف في وجود شيء -وقوعه شرط لصحة العقد- كالرؤية فمنهم من جعله على الخلاف- وهي طريقة النووي- ومنهم من قال: -هنا- القول قول من نفاه لاعتضاده بالأصل- وهي طريقة القاضي الحسين؛ فإنه يقول: القول قول نافي الرؤية- مع قوله في أصل القاعدة: إن القول قول مدعي الصحة.
والشيخ الإمام الوالد رحمه الله ذكر المسألة في أوائل البيع، ولم يذكر لنفسه اختيارا ثم ادعاها في أواخر اختلاف المتبايعين، وجرى مع النووي في باب اختلاف