للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطبري: ما ذكرت من الاستثناء غير مستقيم؛ لأن صحة البيع مع عدم لزوم الثمن -مما لا يجتمعان، وما ذكره من الحديث -رواه أبو داود من حديث علي كرم الله وجهه، وفي سنده مقال وبتقدير ثبوته. قال الخطابي: "يحتمل أن يعني -بالمضطر- المكره"، وهذا يؤيد ما ذكره الإمام والرافعي، قال: "ويحتمل أن يعني به من باع في ضرورة من دين ركبه أو نحو ذلك -فلا يباع- من حيث المروءة؛ لكن يعان، أو يقرض ويستمهل، وفي هذه الحالة إن بيع صح، وكان مكروها" قلت: ويكون بيع المضطر، مصدرًا مضافًا إلى المفعول، أي لا يباع المضطر بل يبذل له الطعام مجانا -كما هو وجه لأصحابنا- لأن البذل واجب فلا يؤخذ عليه عوض أو يقرض ويستمهل كما قال. أو يقال: المضطر من لا يتحمل حالة التأخير إلى مماكسة البيع، لمسيس [الجوع] ١؛ فلا يجوز أن يباع -ويؤخر الطعام عنه إلى تقرير الثمن- بل يبادر إلى إطعامه [أو] ٢ حاله لا تتحمل التأخير، ثم إذا أطعمه تجب القيمة، وقال القاضي أبو الطيب: لا يجب العوض هنا؛ سواء وجب العوض أم لا؛ فالقول بهذا الاحتمال فيه أخذ للحديث على ظاهره، وفي الحديث إرشاد إليه؛ فإن لفظه أن عليا رضي الله عنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه -ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر؛ هذا لفظ أبي دواد عن علي كرم الله وجهه وسياقه يشهد لتحريم أن يباع المضطر -كما أولناه- فإن ضم إليه عدم لزوم العوض -كما قال القاضي أبو الطيب- كان أوفق للظاهر وللسياق.

[قاعدة] ٣: لا يتوالي ضمان عقدين في شيء واحد. وهذه القاعدة ذكرها الأصحاب -عند الكلام على بيع المبيع قبل القبض؛ فاتهم عللوا منعه من حيث المعنى بشيئين؛ هذا أحدهما ووجهوه بأن المبيع مضمون على البائع للمشتري وإذا نفذ المبيع منه، صار مضمونا عليه للمشتري. الثاني: فيكون الشيء الواحد مضمونا له وعليه في عقدين، قال إمام الحرمين في "النهاية" ولا حاجة إلى هذا -مع الخبر- يعني أن الاعتماد في منع بيع ما لم يقبض -على الأخبار لا المعنى. وقال بعد ذلك بيسير: "الغالب على هذا الأصل [التعبد] ٤ وتبعه الرافعي -حيث قال: "والاعتماد على الأخبار واختاره الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الرهن من شرح المهذب. واعترض على هذا


١ في "ب" للجوع.
٢ في "ب" إذ.
٣ سقط في "ب".
٤ في "ب" البعيد.