للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستحيل كونه كثيرا؛ وإنما يتفق نادرا فلذلك يفتخر به لأن القرن هو المقاوم للشخص؛ فلو فرض مغلوبا -معه- في الغالب، لم يكن قرنا له؛ [فلا] ١ المرء قرنا إلا عند المقاومة غالبا ثم يفتخر بأنه غلب قرنه.

فتقول: لما كان قوله: القرن يقتضي أنه لا يغلب قرينة؛ لأن هذا شأن القرينين غالبا. موهما التعارض ثم قضى بأنه قد يغلبه -حملنا ذلك على الندرة، صونا للكلام عن التدافع والتناقض.

وقلنا: المراد تركه تركا لا يخرجه عن كونه قرنا -وذلك هو الترك النادر لئلا يكذب آخر الكلام أوله.

ونحو هذا: قول بعض النحاة -في الرد على من ادعى أن "قد" ترد للتقليل مستشهدا بقولهم: "قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل" إنما "قد" هنا - للتحقيق، لا للتقليل، والتقليل لم يستفد -في المثالين- من "قد" بل من قولك: الكذوب يصدق، والبخيل يجود؛ فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك -منهما- قليل، كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله؛ فنقول -كذلك- في قوله "قد أترك القرن ... "؛ إنما المراد التقليل لأنه إن لم يحمل على التقليل [كذب آخر الكلام أوله] ٢ وهو إثبات أنه قرن -وعند ذلك أقول: قد أطلت الكلام في "قد" وغرضي حاصل بدونها؛ فإن لفظ "الاغتفار" - في قولهم: "يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" مبني [على] ٣ أن أصل المؤاخذة به، لولا ورود المغفرة عليه؛ فمن أدخل في القواعد -قولهم: "قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" وقولهم: "قد يغتفر الشيء تابعا، ولا يغتفر أصل"؛ فليس على بصيرة من فهمه، وهو كمن يدخل المعفو عنه -في باب النجاسة- في أقسام الطهارات.

والتحقيق: أن وجود الشيء في الدوام بمنزلة وجوده في الاتبداء؛ إلا ما استثنى والمستثنى لا يكون هو القاعدة. وهنا قسمان: أحدهما: أن يستوي وجود الشيء ابتداء ودواما، وهو الأصل وذلك على ضربين: أحدهما: أن يكون ذلك جزما، نحو قطع نجاسة الماء القليل بطريان الكثرة عليه وقطع النكاح بطريان الرضاع المحرم، وكذا وطء أبيه، أو ابنه زوجته بشبهة، وبوطئه هو أمها أو ابنتها بشبهة، وطريان ملك الزوج للزوجة أو بعضها. وبالعكس وهو كثيرا جدا. والثاني: أن يكون كذلك ولكن على الأصح من


١ في "ب" فلا يكون.
٢ ف "ب" أول الكلام.
٣ في "ب" غير.