المستولي على حق الغير عدوانا والآخذ من الغاصب لم يستول على حقه ولا تعدي عليه؛ وإنما هو غاصب من المالك باستيلائه على المال الذي كان عند الغاصب وليس بخصوص الأخذ من الغاصب مدخل في الغصب، وقد يبنى على هذا أن الغاصب هل يخاصم؟ والمعروف أنه لا يخاصم سواء قلنا: يخاصم المرتهن والمستأجر أم لا إذ لا حق له البتة، وعن الماوردي أنه يخاصم، وأنا أميل إليه، ويشهد له أن للضامن حبس الأصيل إذا حبس -وإن لم يثبت له عليه علقة على وجه صححه الشيخ الإمام- ليرهقه إلى تخليصه، وهكذا الغاصب إذا كان مقصده إرهاق الآخذ منه إلى تخليصه ورأيت بعد ذكري لهذه المناقشة -في كتاب الأشراف للقاضي أبو سعد الهروي- حكايتهما.
التنبيه الرابع: قولكم أن المالك. عند التلف يتخير بين مطالبة الغاصب، وغاصب الغاصب لم تبينوا حاله عند بقاء العين، وقد يفهم من هذا الإطلاق أنه لا يطالبهما إذا كانت العين باقية؛ وإنما يطالب من هي عنده، لانحصار حقه فيها، والذي يظهر أنه يطالب غاصب الغاصب بالعين ويطالب الغاصب بقيمة الحيلولة وهل يطالبه بنفس العين مع العلم بأنها ليس عنده، وأنه ليس له أن ينتزعها من غاصبه؛ إذ لا حق له فيها ولا ولاية عليها.
فيه نظر واحتمال يجر إلى أنه طالبه المالك بها هل يجعل مطالبته إياه بها إذنًا له في مطالبة الغاصب منه، وهل يجعل هذا الإذن ناقلًا له -إذا قبضها- من حكم الضمان إلى الأمانة؛ فلينظر في هذه الخواطر.
قاعدة: ذكرها الأصحاب ضابطا للمكان الذي يضمن فيه الذي أثبت يده على يد الغاصب عن جهل: "من أثبت يده على يد الغاصب جاهلا فإن دخل على أن يضمنه لم يرجع أو على أن لا يضمنه؛ فإن لم يستوف مقابلة كالمستودع من الغاصب فيرجع به والقرار على الغاصب، وفي وجه لا يطالب المودع أصلا، وفي ثالث يستقر عليه الضمان وإن استوفاه، كأكل طعام مغصوب قدمه إليه الغاصب فقولان: أصحهما -وهو الجديد- أن القرار عليه لا على الغاصب؛ إلا أن يقول الغاصب -مع التقديم هو لي، ثم يغرم المغصوب منه الغاصب؛ فإنه لا يرجع على الآكل خلافا للمزني لأنه يقوله "هو لي" اعترف بأنه مظلوم، والمظلوم لا يرجع على غير من ظلمه.
قاعدة: من صح تصرفه في شيء تدخله النيابة صحت وكالته فيه وعبارة التنبيه: "ومن لا يجوز".