قال: وأعدلها القول الثاني؛ لأنه أتلف منفعة مقصودة.
قاعدة: قال الأصحاب في باب الغصب: كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان فيتخير المالك -عند التلف- بين مطالبة الغاصب وبين ما ترتبت يده على يده سواء على الغصب أم لا ثم إن علم الغصب، فهو غاصب من الغاصب، وإن جهل فسنذكر حكمه في القاعدة الثالثة لهذه القاعدة.
وفي هذه القاعدة تنبيهات: أحدها: أن محلها اليد المقصود بها الاستيلاء لواضعها، أما التي يقصد بها واضعها الحفظ للمالك فلم يقصدها. وقد علم من ترجيح الرافعي والنووي أنه ليس لآحاد الناس انتزاع المغصوب وعلى هذا فمنتزعه غاصب؛ ولكن الذي نص علي الشافعي رضي الله عنه أن لآحاد الناس انتزاع المغصوب، وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: إنه الحق. والراجح عندي الفصل بين من ظهر منه أنه لو وجد سبيلا إلى الرد لرد؛ فلا ينتزع منه لئلا يكون المنتزع ناقلا للعين من الضمان إلى الأمانة بلا نص.
فائدة: ومن لم يظهر من ذلك فيجب الانتزاع، وذكرت هذا التفصيل في التوشيح وقلت: إنه ينبغي تنزيل النص عليه.
التنبيه الثاني: محل القاعدة يد ترتبت، أما تصرف غير ذي اليد ممن هو كالآلة فلا يضمن إذ لا يد في الحقيقة، وذلك كمن رفع كتاب شخص من بين يديه قاصدا أن ينظره ويرده في الحال؛ فإنه لا يضمن. قاله القاضي الحسين وطرد الإمام ذلك في الدنانير المغصوبة التي تمر بأيدي النقاد، وليس من فعل هذا توكيل الغاصب لأن التوكيل منفرد باليد، والنقاد لا ينفرد باليد بل هو بلحاظ من الدافع فلا يد له البتة.
فإن قلت: قد قالوا فيمن غصب شاة وأمر قصابا فذبحها جاهلا بالحال، وكذا كل من استعان به الغاصب كطحن الحنطة وخبز العجين أن القرار على الغاصب، وفي هذا شاهد لما ذكرتم؛ غير أن تضمين هؤلاء -وإن لم يكن القرار عليهم- يرد على قولكم: أنهم كالآلة، ولما ذكر في النقاد، ومن رفع كتابا.
قلت: قال الوالد رحمه الله الضمان -هنا- بطريق الجناية- لا بطريق الغصب فلا يرد البتة.
التنبيه الثالث: قولهم: "غاصب من الغاصب" فيه مناقشة لفظية، فإن الغاصب هو