معرفة عينه، بل هو حجر على الجملة، ثم هذا الوجه إنما هو في منع معاملته، لا في الحكم برقه وقد يقال: هو حر بشهادة الأصل ولكن لا يعامل؛ لأن الإقدام على المعاملة يستدعي قدرا زائدا على الأصل، واعلم أن ما ذكرناه من كلام الإمام يؤخذ منه أنه لو تعارضت بينتا الرق والحرية تقدم بينة الحرية.
بيانه: أن بينة الرق -كما ذكره الإمام- لا يجوز لها أن تبنى على ظاهر اليد والتصرف فيما قامت مقبولة وإلا وقد استندت إلى غير ذلك. فتكون مستندة إلى ناقل متقدم.
والمسألة عسيرة النقل في المذهب -أعني تعارض بينة الرق وحرية الأصل والذي جزم به الرافعي في المسائل المنثورة آخر باب الدعوى أن بينة المدعي الرق أولى؛ لأن معها زيادة علم. وهو إثبات الرق.
وقد وقعت المسألة عندي في المحاكمات، توقفت عن الحكم بذلك فيها لإشكالها ثم وجدت بخط والدي رحمه الله حكاية وجهين في المسألة عن الماوردي، وأنه ذكرهما عند الكلام على خيار العبيد في كتاب النكاح أحدهما: التعارض والتساقط. الثاني: أن شهادة العبودية أولى؛ لأنها تخالف الظاهر من حكم الدار فكانت أزيد علما ممن شهد الحرية، التي هي الغالب على الدار أن أهلها أحرار. وموضع الوجهين كما أبصرت، في تعارض الرق والحرية الأصل.
وذكر القاضي أبو سعد المسألة في "الأشراف" ولم يحك القول بتقديم بينة الرق إلا عن الشيخ أبي حامد، وحكى تقديم الحرية عن جميع الأصحاب، وقد سبقه إلى ذلك القاضي أبو عاصم، فحكى في الطبقات تقديم الرق عن الشيخ أبي حامد حكاية المستغرب له فليكن المعتمد إن شاء الله تقديم بينة الحرية أما تعارض الرق والتعق فمسألة مشهورة ذكرها الرافعي وغيره في باب الدعاوى١، وجزم فيها الماوردي في هذا المكان بتقديم بينة الحرية فإنه قال إن علم شهود الحرية العبودية فشهادتهم أولى؛ لأنهم أزيد علما ممن علم العبودية ولم يعلم ما تجدد بعدها من الحرية، ومنها قال إمام الحرمين في كتاب الطلاق بعدما ذكر أن الحربي إذا أكره على الإسلام فنطق بالشهادتين