للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ولي بحث مع الرافعي، ومع الأكثرين، ومع الأئمة.

فأقول: قول الرافعي رحمه الله: "سائر الديون كذلك" غير مسلم؛ لأن سائر الديون ممكن ثبوتها ابتداء للمقر له، بخلاف هذه الثلاثة، وكلام ابن القاص فيما لا يجوز أن يبت في الابتداء لغي المقر، كذا فهمه القفال وغيره -من الأئمة-[عنه] ١؛ ومن ثم أقول: جعل الأكثرين في هذه الديون الثلاثة إذا أطلق الإقرار بها على القولين فيمن أقر للحمل وأطلق، مستدرك من قبل أن لابن القاص أن يقول لا يلزم من صحة الإقرار المطلق للحمل، صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ لأن الحمل يصح أن يثبت له ابتداء ما أقر به له بميراث ونحوه، وأما هذه الديون فلا يصح ثبوتها -ابتداء- لغير المقر؛ فقد يقال لا يصح الإقرار المطلق بها لأن الأصل عدم الناقل، ومجرد الاحتمال لا يصلح دفعا لهذا الأصل، بخلاف الحمل فإن الاحتمال فيه أقوى لكونه يصح أن يثبت له ابتداء؛ فلسنا على ثقة من [أن] ٢ المقر له ثبت له ذلك، ثم انتقل عنه بل جاز أن لا يكون ثبت له البتة. يكون الحكم به للمقر له مستندا إلى احتمال الناقل وحده، ولست أدعي أن الصحيح عدم صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ بل أقول: هو أولى بعد الصحة من الإقرار للحمل -وإن اشتركا في الصحة.

وأقول -أيضا- قد يقول ابن القاص بهذه التفرقة؛ فلا يصح الإقرار المطلق لهذه الديون كما هو ظاهر كلامه، وإن صححه في الحمل.

وإذا عرفت هذا، عرفت أن حمل الأئمة كلامه على ما إذا أقر بها عقب ثبوتها؛ بحيث لا يحتمل جريان ناقل، فيه نظر، لأنه -كما عرفناك- يقول: "وإن طال المدى بعد ثبوتها" فاحتمال الناقل فيها أضعف منه في الحمل.

فهذا تمام الكلام على قول الرافعي: "سائر الديون كذلك" وأما قوله: "بل الأعيان بهذه المثابة ... " إلى آخره، فهو -أيضا- مبني على ما حمل الأئمة كلام ابن القاص [عليه، وقد قلنا: أن لابن القاص] ٣ أن يجري كلامه على إطلاقه؛ فلا يتعين حملهم، ولا تكون الأعيان بهذه المثابة نعم: قد يقال: كما لنا ديون لا يقر الإنسان بها لغيره، كذلك لنا أعيان بهذه المثابة، وهذه إلحاق وزيادة، لا إيراد، وكان -حينئذ- ذكر ما ألحقه الماوردي بهذه الصور أولى؛ إذ ألحق بهذه الصور الثلاث ما إذا أقر مالك البهمة


١ سقط في "ب".
٢ سقط من "أ" والمثبت من "ب".
٣ سقط من "ب".