ومنها: وهو ما تعم به البلوى- يعترف بأنه لا حق له في هذا الوقف ثم يتبين -بعد تأمل شرائط الوقف أو غيره- أنه مستحق؛ فلا شك عندي في أنه لا يؤاخذ باعترافه السابق، ويشهد له ما تقدم من الفروع؛ بل هو أوضح منها فإن الشروط ومدلول ألفاظ الواقفين تخفي كثيرا على العلماء؛ فضلا عن غيرهم وهو كمن يعترف ببنوة شخص -مع احتمال السن- فإن تكذيب الحس والشرع سواء في دفع الإقرار، وجعله لغوا.
ومنها: لو ادعى على شخص أنه منفرد بالقتل ثم على آخر أنه شريك فيه أو منفرد به، لم تسمع الدعوى الثانية، غير أن الثاني لو صدقه في دعواه؛ فالأصح يؤاخذ به، لأن الحق لا يعدوهما.
ومنها: لو ادعى القتل على رجل، وأقسم عليه، وأخذ المال؛ فجاء آخر وقال: إن المأخوذ منه المال مظلوم؛ فإني أنا القاتل، فإن لم يصدقه الوارث لم يقبل، وإن صدقه فعليه رد ما أخذ، وهل الدعوى على الثاني؟ لا، ربما بني الدعوى الأولى على ظن حصل له زال عنه بإقرار الثاني، وتجدد له يقين أو ظن -أقوى من الأول- أن الثاني هو القاتل، أو ليس له الدعوى عليه لأن الدعوى على الأول اعترف ببراءة غيره؟ في المسألة قولان.
ومنها: إذا تزوجت ثم ادعت [أن] ١ بينها وبين الزوج محرمية، فإن تزوجت برضاها، لم يقبل، لتضمن إذنها حلها، لكن إن ذكرت عذرا لغلط أو نسيان سمعت دعواها على المذهب.
ومنها: أنكر الوديعة فقامت عليه بينة بها فقال: أودعني ولكن تلفت أو رددتها؛ فأظهر الوجهين سماع بينته على تلفها.
قال الرافعي:"وينبغي أن نفرق بين أن نبين للغلط وجها محتملا أو لا - كما قيل في ألفاظ المرابحة" قال ابن الرفعة: "والفرق من وجهين، أحدهما أن ما ادعاه المودع ثانيا- وإن خالف قوله أولا: ما أودعتني، فرب المال يوافقه، والحق لا يعدوهما؛ فإذا صدقه، سلمت البينة من تكذيب؛ فعمل بموجب قولها في الرد والتلف، ولا كذلك في مسألة المرابحة؛ فإن القول الثاني المخالف للقول الأول لم يصدقه الخصم عليه، لو صدقه عليه لألزم بموجبه من غير بينة.