والثاني: أن المقر به في المرابحة إثبات بينة إلى محسوس، بقوى المرتب عليه لبعد خلافه، وما ذكره في مسألة الوديعة نفي محض- يجوز أن يكون مستندا إلى العدم الأصلي وتكون البينة حاصلة، ويجوز خلافه فضعف المرتب عليه فلم يؤثر".
ومنها: لو تزوج امرأة ثم اعترف الزوج بفسق الشاهدين، وأنكرت المرأة فرق بينهما، وهل الفرقة طلاق أو فسخ، فيه وجهان.
قال ابن الرفعة: "وينبغي -إذا كان بعد الدخول- أن لا يقبل قوله كما قلنا فيما إذا ادعت المرأة أن بينهما رضاعا محرما بعد التزويج، وكانت مجبرة؛ بل مقتضى قولهم، أنها إذا كانت قد تزوجت بإذنها أن لا يقبل قولها في التحريم بالرضاع ونحوه أن لا يقبل قول الزوج في ذلك إذا كان قد قبل نكاحها بنفسه.
قلت: وفيه نظر؛ فإن النكاح حق الزوج، فقيل قوله في إسقاطه، وإن تبع إسقاطه كون ذلك فسخا -على وجه، وفارق المرأة لا يقبل.
منها: إذا تقدم منها ما يقتضي الاعتراف؛ لأنه حق الزوج عليها وقد اعترفت به فلا يقبل منها ما يقتضي سقوطه.
ومنها: قال القفال في فتاويه: "إذا رأينا ضيعة في يد رجل يدعي أنها وقف عليه، ولا تصير وقفا، ونقرها في يده، لحق اليد لا لقوله: هذا وقف؛ لأنها لا تصير وقفا بذلك؛ لأن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه، فلو أراد بيعها فله ذلك، بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز له بيعها.
قلت: وما ذكره من جواز البيع مشكل، ثم فيه تأييد لفتوى ابن الصلاح فيمن أقر بملك في يده أنه وقف عليه ثم على جهات أنه لا يثبت الوقف بذلك لكن لا يلزم من عدم الثبوت عدم المؤاخذة بالإقرار؛ فهذا مشكل، والذي ينبغي أن يؤاخذ بمقتضى اعترافه توقيفها، نعم له فيما بينه وبين الله تعالى -إذا كان يعرف كذب نفسه- أن يقدم على بيعها.
وأما مسألة الوديعة؛ فقد يقال: لا يمنع من الإقدام على ما اعترف بأنه وديعة، لإمكان إذن له من المودع، والقول قول متعاطي العقود كما رأينا عينا في يد شخص يعترف أنها لغيره، ويدعي أنه وكيل في بيعها؛ فإنه يجوز شراؤها منه -وإن لم تثبت وكالته- فالأمر في مسألة الوديعة يمكن أن تكون على ما قال القفال، بخلاف مسألة الوقف؛ فإن قوله فيها لا يظهر.