المانعة من قبول قول عليه، أو اعتقاد أن الجارح واهم عليه أو كاذب وغير ذلك من الاحتمالات وهي كثيرة جدا.
والحاصل: أنه متى عرفنا أن المعدل لم يبين على الأصل بل على غيره قدمناه، فالدوران على الناقل وليس لخصوصية الجرح، ولا يستطيع أحد أن يقول -فيمن بجرح زيد لكونه سكر في اليوم الفلاني بدمشق وعارضهما شاهدان بأنه في اليوم المذكور كان بمصر: أن بينة الجرح تقدم، وهذا أوضح من أن يخفى.
وهنا ثلاث مسائل يضطر الناس إليها:
أحدها: لو شهد شاهدان أن هذا الجارح شهد زورا وكاذب فيما شهد به من الجرح، فالظاهر -عندي- أنه يكتفي بهذا ويندفع به الجرح، ولكن لا يتجرح به الجارح، وهذا توسط بين كلامين مطلقين لطائفتين من الأصحاب.
فإن قلت: فقد ذكر الرافعي -في جوامع أدب القضاء- أن شهادة الزور إنما تثبت بإقرار الشاهد، أو بيقين القاضي، بأن شهد أنه زنى بيوم كذا بالكوفة والقاضي رآه ذلك اليوم ببغداد، ولا يغني قيام البينة على أنه شهد زورا، فقد تكون هذه البينة بينة زور.
قلت: هذا موافق لما قلت من أنه لا ينجرح به الجارح، ولم يقل الرافعي ولا أحد -فيما علمت- أن الجرح يستمر، ولا يلتفت إلى الشاهد بأن الجارح شاهد زور، بل نص الشافعي رضي الله عنه يدل على أنه تثبت شهادة الزور بالبينة، إذ قال رضي الله عنه:"وإذا علم من رجل -بإقراره أو بينة- أنه شهد عنده بزور عزره" وعليه جرى جماهير المتقدمين من الأصحاب، وهي الطائفة التي أشرنا إلى أن إطلاقها يقتضي الاكتفاء بقوله: هذا شاهد زور ويجرح به الجارح، وتبعهم صاحب البيان.
لكن قال القاضي الحسين [في تعليقه] ١ في باب ما على القاضي في الخصوم والشهود "ولو شهد بأن ذينك الرجلين شهدا بالزور فالقاضي لا يسمع شهادتهما إلا أن يقولا يشهد أنهما أقرا أنهما شهدا بالزور".
وهذا القاضي رأس الطائفة التي قلنا: إن إطلاقها يقتضي رد هذا الكلام ولعل الرافعي جرى مع هذه الفرقة لكنهم لم يصرحوا بأن حكم الجرح يثبت معها وإنما أرادوا أن الشهادة لا تسمع لإثبات كون الشاهدين شهدا بالزور، ولعلها تحمل النص على ما إذا