للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدواعي والإرادات، والمكره مقصور الدواعي والإرادة على فعل ما أكره عليه. لا يختار غيره فإن قيل: ولم صارت هذه حاله؟

قلنا: لما يخافه من عظيم الضرر، فهذا يدفع [أعظم] ١ الضررين بأدونهما، ودواعيه مقصورة عليه لأجل ذلك. انتهى وهو صحيح ولا فرق إلا هذا.

وكون الشارع لم يكلفه الشطط بالصبر على ما هدد به. ثم قال له: "ولئن فعلت المكره عليه كان فعلك كلا فعل، لمكان الإكراه".

فللشارع في المكره لطفان خفيان -إسقاط حكم الفعل الناشئ عنه، وعدم التكليف بالصبر على ما توعد المكره عليه- وهذه من خصائص هذه الأمة المشرفة بنبيها الكريم على الله. محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي إنه لرؤوف رحيم. ونبي كريم. ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ورفع عن أمتي الخطأ".

ولو كانت حقيقة الإكراه تنافي التكليف لما افترق الحال فيه بني أمه وأمه. وهنا تنبيهات:

أحدها: هذا الإكراه الذي أسقط الشارع حكمه لا بد من بقاء حقيقته ليتحقق في نفسه، وقد ينضم إليه ما لا يزيل حقيقته؛ فلا اعتبار به، أو ما يزيل الحقيقة فلا يسقط حكمه، إذ ليس هناك إكراه.

وهذا كمن قيل له: طلق زوجتك، فقال: طلقت زوجاتي كلهن [فيقع] ٢ عليهن، لأنه مختار لا مكره.

وقد ينضم إليه ما يتردد الذهن في أنه مزيل لكونه إكراهًا أو غير مزيل، فيقع الخلاف في أنه هل يسقط أثر التصرف به أو لا يسقط؟ وأمثلته فيالفئقه كثيرة، ونحن نذكر هنا فرعًا واحدًا، وهو المكره على أحد شيئين. كمن قيل له: طلق إحدى زوجتيك وإلا قتلتك، وحمل على تعيين إحداهما لا على إبهام الطلاق، إما هذه أو هذه. وإلا قتلتك، فقال: طلقت هذه، فهل هذا اختيار، لأن إيثاره لهذه على تلك. وقد كان قادرًا على العكس، يدل على أنه مختار لفراقها، وليس باختيار؛ لأنه لا يجد مندوحة عن واحدة منهما، ولو عين الأخرى لجاء فيها هذا القول بعينه.


١ سقط في "ب".
٢ في "ب" ليقع.