للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه وجهان:

أولهما: هو الأصح عند الرافعي والنووي.

والثاني: هو الأرجح في نظري، ولا فرق عندي بينه وبين المكره على قتل معينة إلا أن هذا يجد محيصًا عمن طلقها برفيقتها، وذاك لا يجد إلا بنفسه، وليس هذا الفرق بطائل؛ فإن القول في المختص بها مقول في رفيقتها، وكل قول انعكس بنفسه بطل من أصله.

وقول من ادعى أنه مختار. إن إقدامه على هذا دليل على اختياره لفراقها دون تلك مختل.

ولكنا نقول في جوابه: لم قلتم: إن الداعي إلى تعيينها ترجيح فراقها، وقد يكون هجم على ذكرها هجمًا، وهذا يتفق كثيرًا لمن حمل على شيء من شيئين، وقد أعوزه الفكر والذعر عن الميز بينهما. وإن سلمنا أن الداعي إيثار فرؤاقها، فالذي آثره إنما هو ذكرها على ذكر تلك، لا حب فراقها على حب فراق تلك. وإن سلمنا أن فراقها عنده بتقدير التعارض راجح على فراق تلك؛ فهذا موضع نظر لا أتذمم فيه ترجيحًا.

التنبيه الثاني:

وقد عرفت أن شرط الإكراه مرفوع الحكم أن يكون المتوعد فيه. في نظر العقلاء أشد من المكره عليه، والمعنى بنظر العقلاء ما شهد له الشرع بالاعتبار. فعرف من هذا أن الإكراه لا يرفع حكم القصاص، ولا يرفع الإثم عن المكره.

بيانه: أن نفسه ونفس من أكره على أن يقتله مستويان في نظر الشارع؛ فإيثاره نفسه ناشئ عن شهوات الأنفس وحظوظها ومحبتها للبقاء في هذه الدار أزيد من بقاء غيرها، وهذا القدر ليس من نظر العقلاء، أعني عقلاء الشرع الذين يتقيدون به فيما يأتون ويذرون.

وبهذا خرج كثير من المسائل التي سنذكرها فيما استثنى من قول "الإكراه يسقط أثر التصرف".

فإذا قيل لنا: يستثنى الإكراه على القتل؛ فإنه لا يسقط أثر التصرف بدليل الإثم إجماعًا والقصاص على الصحيح.