للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: ليس هو من حيث إيثار نفسه مكرهًا بل مختارًا، ومن ثم أثم وأقتص منه، ولا هذا النظر الذي نظره وآل به إلى تقديم نفسه على غير [لمشهود] ١ له من الشعر بالاعتبار، فإن الكفاءة في القصاص شرعًا منحصرة في الإسلام والحرية والبعضية، والله أعلم.

التنبيه الثالث:

شرط كون الإكراه مرفوع الحكم أن يكون مرتبًا على فعل المكلف، فإن الشارع جعل فعله حينئذ. كلا فعل. فإن كان الحكم مترتبًا على أمر حسي غير فعل المكلف ولو كان ناشئًا عن فعله، فلا يرفع حكم الإكراه. بل الإكراه حينئذ لأن موضع الإكراه الفعل ولم يترتب عليه شيء، وموضع الحكم الانفعال. ولم يقع٢ عليه الإكراه. وإن كان هو أثر الفعل فالشارع قد يرتب الحكم على الفعل، وقد يرتبه على الانفعال، وهو في الأول. من خطاب التكليف الذي رفع شفقة علينا عند الإكراه. وفي الثاني من خطاب الوضع والأسباب والعلامات. فكيف يرتفع؟

وبهذا خرج الإكراه على الرضاع وعلى الحديث. فإذا أكره امرأة حتى أرضعت خمس رضعات حرم ذلك الإرضاع، لأن الحرمة منوطة بوصول اللبن إلى الجوف حتى لو حلبت قبل موتها وأسقى الصبي بعد موتها، حرم.

التنبيه الرابع:

شرط كون الإكراه مرفوع الحكم أن يكون بغير حق، فهو موضع الرخصة والتخفيف من الشارع، أما إذا كان بحق. فقد كان من حق هذا المكره أن يفعل، فإذا لم يفعل أكره ولم يسقط أثر فعله وكان آثمًا -على كونه أحوج [على] ٣ أن يكره.

وهذا كالمرتد والحربي يكرهان على الإسلام فإسلامهما صحيح وهما آثمان بكونما أحوجًا إلى الإكراه عليه، ثم الإسلام إن وقع فيهما -عند الإكراه باطلًا كما وقع ظاهرًا، فهو يجب ما قبله. وإلا فحكمهما في الظاهر حكم المسلمين، وفي الباطن هما كافران لما أضمراه من خبث الطوية.

ووقع النظر فيمن [لم يكن كفره] ٤ بفساد العقيدة بالامتناع عن التلفظ [بكلمة الشهادة مع القدرة عليها إذا تصور مثل هذا وأكره على التلفظ] ٥ بكلمة الحق فهل


١ في "ب" مشهود.
٢ في "ب" ليقع.
٣ في "ب" إلى.
٤ في "ب" فمن لم يكره كفره.
٥ سقط في أوالمثبت من ب.