للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: قرر لي وجه اشتراط كون السبب لا ينعقد حتى يتصل بالمحل المملوك؛ فإنه مما يتوقف فيه النظر، إذ قد يقول قائل: ينعقد السبب وإن لم يتصل بمملوك.

قلت: لا حاجة بك هنا إلى تقرير هذا، بل يكفيك اتفاق الفريقين عليه؛ فإن الإمامين متفقان عليه، ولذلك اتفقا فيما ول قال لأجنبية: "إن دخلت الدار فأنت طالق" على أنها لا تطلق، وإن دخلت وهي زوجة؛ وإنما اختلفا في أنه هل وجد السبب في صورة النزاع أو لم يوجد؟

وبهذا يعلم أن من يحتج على الخصوم، بما رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك"١ لا تتم له الحجة حتى يثبت أن التعليق قبل الملك كائن فيما لا يملك، وإلا فأبو حنيفة رضي الله عنه يقول له: "أنا قائل بموجب الحديث، وأنا لا أجعل عملية الطلاق فيما يملك لأني لا أعقد السبب في الحال. فتأمل ذلك -فيه- تعرف مقدار معرفة مأخذ الأئمة.

فلو اتفق الإمامان على انعقاد السبب لاتفقا على عدم الصحة، أو على عدم انعقاده لاتفقا على الصحة، ولكنهما اختلفا، فالشأن في تثبيت أحد القولين قبل الاستدلال بالحديث.

نعم: أصحابنا يروون من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: قال لي عمل لي: أعمل لي عملًا حتى أزوجك ابنتي فقلت: إن تزوجها فهي طالق ثلاثًا، ثم بدا لي أن أتزوجها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال لي: "تزوجها؛ فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح"، فتزوجتها. فولدت لي أسعد وسعيد٢..


١ أخرج أحمد في المسند ٢/ ١٩٠، وأبو داود في السنن في كتاب الطلاق/ باب في الطلاق قبل، النكاح حديث "٢١٩٠"، والترمذي ٣/ ٤٨٦ في الطلاق باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح "١١٨١"، والنسائي في السنن ٧/ ١٢ في الإيمان والنذور، والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٠٤- ٢٠٥ في كتاب الطلاق.
٢ الدارقطني في السنن ٤/ ٣٦ في كتاب الطلاق "٩٧".