للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك١.

وهذان: لا سيما الحديث الثاني -صريحان في مذهبنا، وقد رواهما الدارقطني؛ غير أن في سندهما مقال. ولقد تأملت هذه المسألة وأعملت فيها فكري واختبرت قريحتي وتلوت ما عندي من العلم. فلم أنته إلى ما يثلج له الصدر من ظن غالب؛ بل إن مذهب الشافعي رضي الله عنه، في هذه المسألة عندي راجح رجحانًا [لست] ٢ معه على ثقة من التزحزح بما يحدث من الشبهات.

أما رجحانه: فلأني أظن أن حديث "ليس على الرجل طلاق فيما لا يملك". ظاهر فيما يتبادر إلى الفهم منه من أنه لا يعلق إلا من يطلق. ومعتضد بهذين الحديثين وإن كانا غير صحيحين وبما يؤيدهما من أحاديث آخر، ولأني أظن أن الشرط لا يمنع انعقاد السببية.

غير أن ظني هذا، دون ما ظننته من الحديث، فلو ترقت دلالة الحديث عندي على مرامي، إلى درجات غلبة الظن لترقي بسببها ظني أن الشرط لا يمنع انعقاد السببية استدلالًا بالفرع على الأصل، لكن لم يترق، وللبحث مجال في منع الشرط انعقاد السببية؛ فهذه المسألة مما استخير الله فيه وأسأله التوفيق لوجه الصواب، وأعرف رجحان مذهب الشافعي رضي الله عنه، لكنه كما علمت رجحانًا لا أستطيع معه على الفتيا به. ويتلوه مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه في إحدى الروايتين "عنه" أنه يجوز تعليق العتق قبل الملك، ولا يجوز تعليق الطلاق فهو عندي أرجح من مذهب أبي حنيفة، لما عرف من التشوف إلى العتق، ومن وقوعه في غير مملوك بالسراية.

ويتلوه مذهب أبي حنيفة فيجواز تعليق الأمرين، ولولا الأحاديث الظاهرة في خلافه لكان عندي أرجح المذاهب، ولولا أن صحيحها غير صريح في مرامنا، وضعيفها لا تنهض به الحجة لكان أضعف المذاهب.


١ الدارقطني في السنن ٤/ ١٦ في الطلاق حديث "٤٧"، قال صاحب التنقيح: حديث باطل فيه أبو خالد الواسطي هو عمرو بن خالد وهو وضاع، وقال أحمد ويحيى هو كذاب.
٢ سقط في ب.