للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما جر الغزالي والرافعي على استتباعه بل تبعًا للأصحاب.

قلت: الأصحاب لما ظهر من صنيعهم التعليق بأنسب الوصفين دلنا ذلك منهم على أن العلتين لا يعملان جملة، وإن ذلك مركوز في طباعهم السليمة كما قدمناه؛ فمن منع اجتماع علتين نفعة ذلك ولم يحتج إلى اعتذار عنه بخلاف المجوز كالغزالي.

فصل:

ثم ما ادعيته من التعليل بأخيل الوصفين هو صنيع أصحابنا قاطبة، عراقيين وخراسانيين؛ وذلك في مسائل:

منها: القاتل المرتد ازدحم على قتله علتان: القتل فنأخذ قصاصًا، والردة فنأخذه تطهير للأرض من المفسدين -ولا يمكن إعمالهما لضيق المحل عنهما، ولو ارتفع أحدهما بأن يتوب عن ردته أو يعفو عنه ولي الدم- لعملت الأخرى عملها.

غير أن الغرض ازدحام العلتين، فنعمل علة القصاص ونسلمه إلى ولي الدم، والسر في ذلك أن غرض الشارع من تطهير الأرض من المفسدين حاصل بإزهاق روحه بأي طريق فرض، وغرض ولي الدم من التشفي لا يحصل إلا بمباشرة القتل، فيسلم إليه.

ولم يقل أحد بأعمال العلتين وأن القتل يقع عن الأمرين.

ونظيره لو قطعت يمناه ووجب فيها القصاص ثم سرق سرقة توجب القطع، قال الإمام في النهاية قبيل كتاب الأشربة؛ فقد ازدحم على يمناه الحد والقصاص، ولكن القصاص يقدم وهذا متفق عليه. انتهى.

ومنها لو اجتمع عليه قطع السرقة وقطع المحاربة، فقد ازدحم عليه علتان، وهما حقان لله تعالى. فقد يقول القائل فيمن قدمناه -من القاتل المرتد والسارق الذي وجب عليه القصاص في اليد- إنما قدم القصاص لتغليب حق الآدمي، فإن حق الله في العقوبات يتعرض للسقوط بالشبهات.

فنقول:

أولًا: هذا لا يضرنا، فإن غرضنا أن لا يعمل العلتان ولنقدم أحدهما بأي طريق اتجه.