للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما تقول: ما نجا ولا قارب النجاة فنفيها نفي أخص، فتحته ضربان.

هذا الذي أفهمه منها، وبه يظهر سداد مذاهب ابن مالك، وحمله اختلاف الزجاجي وأبي الفتح على أن لها استعمالين، ولا أرى لخلاف ذلك وجهًا، وقولهم يلزم من نفي المقاربة نفي الفعل فيه نظر؛ فقد تبقى مقاربته مع وقوعهن لكن ذلك قليل، ولا يقال كل من فعل قد سبق فعله مقاربته للفعل؛ لأنه قد يفعل ولا يكون عند فعله بحيث يفعل، بل يهجم هجمًا فيقال فعل، وما كان يفعل.

مسألة:

"كم" خبرية بمعنى كثير، واستفهامية بمعنى أي عدد.

وليست الاستفهامية أصلًا لها؛ خلافًا للزمخشري حيث ادعى ذلك من سورة يس عند الكلام على {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} ١ وهو مقتضى كلام ابن مالك في التسهيل.

وهما مشتركان في الافتقار إلى التمييز؛ إلا أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب، وفي جره مذاهب؛ ثالثها الصواب جوازه بشرط أن تجر كم بحرف جر وحينئذ فالجر أقل من النصب.

وفيه مسائل: منها إذا قال بع بكم شئت قال الأصحاب له البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد، ولك أن تقول إن كان هذا العرف فيه هذا اللفظ فجيد؛ غير أنا لا نجد فيه عرفًا؛ وإلا فهذا اللفظ أولًا غير عربي، لأن كم لها الصدر فلا يتقدم عليها قوله "بعه".

ومن ثم غلط شيخنا أبو حيان بن عطية٢؛ إذ قال في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} ٣ أبدلت "أن" وصلتها من "أل".

وقال عامل البدل هو عامل المبدل منه يروا فكم لها الصدر؛ فلا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدره أهلكنا فلا تسلط له في المعنى على البدل.


١ سورة يس آية: ٣١.
٢ عبد الحق بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي، قال ابن الزبير: كان فقيهًا جليلًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير نحويًا لغويًا أدبيًا بارعًا شاعرًا توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، بغية الوعاة "٢/ ٧٣".
٣ سورة يس آية: ٣١.