للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القدر فعجيب منه جعل المحل علة والشرط محلًا ولا يتبين في الجنسية أثر بخلاف الطعم؛ فكيف يعلل بغير الوصف المؤثر ويعرض عن التعليل به؟ ومن ثم رد عليه القاضي الحسين بأن الله١ لم يخلق هذه الأشياء للجنسية وإنما [خلقها] ٢ للطعم وأخذه صاحب التمة فبسطه وأوضحه كما قررناه؛ فقال: "فإن قال قائل: لماذا جعل الطعم علة؟ وهلا قلت: الجنسية علة والطعم شرط. قلنا: الفرق بين العلة والشرط يظهر بأن يكون أحدهما صالحًا -بأن يجعل أمارة دالة على الحكم- والثاني- غير صالح كما وقع في الزنا مع الإحصان؛ فإن الزنا جناية ومعصية، والإحصان صفة كما تجتمع في الشخص، والجناية تصلح أن تكون سببًا للعقوبة، وأما وجود صفة الكمال فلا تصلح، فجعل الإحصان علة والزنا شرطًا هنا وكذلك الأموال ما خلقت للتجانس؛ وإنما خلق كل جنس ليكون منفعة "انتهى".

وهو صحيح فإن الإحصان خصال محمودة، ومعظمها لا يحصل باختيار المحصن كالبلوغ والحرية والعقل والكمال لا يناسب العقوبة ولا يشعر، ولذلك قال علماؤنا تعليق العتق عليه ووجود صفة محل لنفوذه فإذا قال السيد لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر فدخلها عتق، [وعلة] ٣ العتق التعليق ومحل نفوذه الصفة.

ومن ثم الأصح عندنا -وبه قال أبو حنيفة- أنه إذا شهد بالزنا قوم وبالإحصان آخرون أو بالتعليق قوم وبالصفة آخرون وحكم بمقتضى شهادتهم ثم رجع [بالشهود] ٤ كان الغرم على شهود الزنا والتعليق، دون شهود الإحصان والصفة.

وزعم بعض أصحابنا أن الجنسية شرط، واختاره الشريف المراغي والقطب النيسابوري زعيرهما من النظار المتأخرين من أصحابنا.

وأعرب صاحب التتمة فقال: "الجنسية شرط ومحل" وزعم الرافعي في باب الزنا أنه ليس تحت٥ الخلاف أمر طائل وسبقه صاحب التتمة [فقال] ٦ في باب الغسل عند ذلك الخلاف في موجب الطهارة ما هو ليس يظهر لهذا الخلاف تأثير في الأحكام.

وأقول: ليس الأمر كذلك، وقد بنى الخلافيون من الفريقين على قولنا: "الطعم


١ في "ب" زيادة تعالى.
٢ في "ب" أحدثها.
٣ في "ب" وعليه.
٤ في "ب" والشهود.
٥ في "ب" زيادة هذا.
٦ سقط في "ب".