وهذا من محاسن القفال؛ فإن الدخول بين أئمة الدين والتفضيل بينهم لمن لم يبلغ رتبتهم لا يحسن، ويخشى من غائلته في الدنيا والآخرة، وقل استعمله فأفلح.
ولا يخفى أن القفال يعتقد رجحان الشافعي؛ ولكنه ليس أمرًا ينبغي له ذكره وإشاعته، وأنه آيل إلى التعصب المذموم، وربما كان سببًا إلى الوقيعة في العلماء الموجبة لخراب الديار.
وربما عارض حنفي شافعيًا بمثل مقالته فانتهى إلى الوقيعة في الشافعي وأهل مذهبه، وكان ذلك سبب هلاكه؛ فإن أهل العلم بالتجارب ذكروا أن من خواص الشافعي رحمه الله من بين الأئمة أن من تعرض إليه أو إلى أهل مذهبه بسوء أو تنقيص هلك قريبًا، وأخذوا ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"من أهان قريشًا أهانه الله" قالوا: وليس في الأئمة المتبوعين في الفروع قرشي غيره.
وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه".
وغير ذلك من الأحاديث وغيرها.
فلعل القفال رحمه الله أراد بهذا الباب خشية الوقوع في المحذور؛ وإلا فقد ذكر البغوي في الفتاوي التي جمعها عن شيخه القاضي الحسين: سئل عن شافعي حلف بالطلاق أن من صلى ولم يقرأ الفاتحة لم يسقط فرض الصلاة عنه، وحنفيًا حلف أنه يسقط.
فأجاب: نقول في هذه المسألة ما يقولون في شافعي اقتصد ولم يتوضأ وصلى ثم حلف بطلاق زوجته أن الفرض سقط عنه -كل ما يقولون هناك فنحن به هنا قائلون- وإلا فالاعتقاد أن يحكم بوقوع الطلاق على زوجة الحنفي "انتهى".
وقوله: يقولون في هذه المسألة ما يقولون في كذا "هو نظير قول القفال ثم أفصح آخر بالمعتقد".
مسألة:
مسلم قال: إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق.
الجواب: وقعت هذه لهارون الرشيد.
فاحتجبت عنه زوجته فاستفتت علماء عصره؛ فقالوا: لا يقع الطلاق عليك فأبت