للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسبب في ذلك: أن العرب لم يكونوا أهل كتاب، ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة، والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة وأسرار الوجود؛ فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدون منهم، وهم أهل التوراة من اليهود، ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير، الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا علي ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان١، والملاحم، وأمثال ذلك، وهؤلاء مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم، وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام، فتتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل ويتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها -كما قلنا- عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك، إلا أنهم بعُد صيتهم، وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتلقيت بالقبول من يومئذ"٢.

وفي كتب التفسير من هذه الإسرائيليات طامات وظلمات، والكثير منها لم ينبِّه ناقلوه على أصله، ولم يوقف على قائله، فكانت مثارا للشك، والطعن، والتقول على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.

٦- نقل كثير من الأقوال، والآراء المنسوبة إلى الصحابة والتابعين من غير إسناد، ومن غير تحرٍّ عن رواتها، فمن ثم التبس الصحيح بالضعيف، والحق بالباطل، وصار كل من يقع على رأي يعتمده ويورده، ثم يجيء من بعدهم فينقله؛ على اعتبار أن له أصلا، وتحسينا للظن بقائله، ولا يكلف نفسه مؤنة البحث عن منشأ الرواية، وعمن رويت، ومن رواها عنه.


١ حدثان الدهر: أحداثه المشهورة.
٢ مقدمة ابن خلدون: بحث التفسير ص ٣٦٨ ط الأزهرية.

<<  <   >  >>