للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكم المرفوع إلى النبي، وإن لم تكن مرفوعة واضحة.

تَحَوُّط دقيق للمحدثين:

وقد كان أئمة علم أصول الحديث، والرواية، أبعد نظرًا، وآصل تفكيرًا، وأوسع اطلاعًا، وأدق في تقعيدهم لقواعد النقد في الرواية حينما قالوا: إن الموقوف على الصحابة يكون له حكم المرفوع إلى النبي بشرطين:

١- أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.

٢- أن لا يكون راويه معروفًا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا وبرواية الإسرائيليات، ومن ثم: يجد الباحث الحصيف المنصف مخارج لهذه الروايات الموقوفة على الصحابة، وهي في نفسها مكذوبة وباطلة فهي: إما إسرائيليات، أخذها بعض الصحابة الذين رووها، عن أهل الكتاب الذين أسلموا؛ ورووها ليعلم ما فيها من الغرائب والعجائب، ولم ينبهوا على كذبها وبطلانها اعتمادا على ظهور كذبها وبطلانها، ولعلهم نبهوا إلى كذبها وعدم صحتها، ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم، وإما أن تكون مدسوسة على الصحابة، وضعها عليهم الزنادقة، والملحدون، كي يظهروا الإسلام وحملته بهذا المظهر المنتقد المشين، وأما ما يحتمل الصدق والكذب منها، وليس فيه ما يصدم نقلًا صحيحًا، أو عقلا سليمًا، فذكروه لما فهموه من الإذن لهم في روايتها من قوله صلى الله عليه وسلم: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، وهذا النوع أقل خطرًا من الأول، إلا أنه لا فائدة تُذكَر من الاشتعال به، بل كان حجابا لجمال القرآن، وتفسيره الصحيح.

وكذلك جاء الكثير جدًّا من هذه الإسرائيليات عن التابعين، واحتمال أخذها عن أهل الكتاب الذين أسلموا، أكثر من احتمال أخذها عن الصحابة، فمنشؤها في الحقيقة هو ما ذكر لك، وهي: التوراة وشروحها، والتلمود وحواشيه، وما تلقوه عن أحبارهم، ورؤسائهم الذين افتروا، وحرفوا وبدلوا، ورواتها الأول، هم: كعب الأحبار، ووهب بن منبه وأمثالهما؛ والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم بريئون من هذا.

ويجوز أن يكون بعضها مما ألصق بالتابعين، ونسب إليهم زورا ولا سيما أن أسانيد

<<  <   >  >>