ثانيهما: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، المنزل عليه، والمخاطب به.
فالأولون: راعوا المعنى الذي رأوه، من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون: راعوا مجرد اللفظ. وما يجوز عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به، وسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم، كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن، كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه، وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه، ولم يرد به، وفي كل الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه، وإثباته من المعنى باطلا، فيكون خطؤهم في الدليل، والمدلول، وقد يكون حقا، فيكون خطؤهم في الدليل، لا في المدلول، وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن، فإنه وقع في تفسير الحديث.
فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل: طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط، الذي لا يجتمعون على ضلالة، كسلف الأمة، وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن، فتأولوه على آرائهم، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لا في آرائهم، ولا في تفسيرهم، وعمدوا إلى القرآن، فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم، ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه.
ومن هؤلاء: فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة وغيرهم.