للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأول: إما لكون الآية نزلت مرتين، فأريد به هذا تارة، وهذا تارة أخرى، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه؛ إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية، والشافعية والحنبلية، وكثير من أهل الكلام، وإما لكون اللفظ متواطئا، فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان، كان من الصنف الثاني.

ومن الأقوال الموجودة عنهم، ويجعلها بعض الناس اختلافا: أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة، لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل وأما في ألفاظ القرآن: فإما نادر، وإما معدوم، وقل أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، فإذا قال القائل: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} ١، إن المور هو: الحركة كان تقريبا؛ إذ المور حركة خفيفة سريعة، وكذلك إذا قال: الوحي: الإعلام: أو قيل: أوحينا إليك: أنزلنا إليك أو قيل: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ} ٢ أي أعلمنا، وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو: إعلام سريع خفي، والقضاء إليهم، أخص من الإعلام، فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم، والعرب تضمِّن الفعل معنى الفعل، وتعدِّيه تعديته ... ومثل ذلك ما قاله أحدهم في قوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَت} ٣ أي تحبس. وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، لم يكن اختلاف التضاد وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنا، وقد لا يكون؛ إذ هذا تقريب للمعنى، كما تقدم.

وجميع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدا؛ لأن مجموع عباراتهم أدل على المقصود، من عبارة أو عبارتين وهذا الفصل الذي لخصته من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، من النفاسة بمكان٤.


١ الطور: ٩.
٢ الإسراء: ٤.
٣ الأنعام: ٧٠.
٤ مقدمة في أصول التفسير ٨-١٦، الإتقان ج ٢ ص ١٧٦-١٧٧.

<<  <   >  >>