للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نزع ذلك، وقال لطالوت: إن لم ينصرني الله لم يغنِ عني هذا السلاح شيئا!!، فدعني أقاتل جالوت كما أريد، قال: فافعل ما شئت، قال: نعم.

فأخذ داود مخلاته، فتقلدها، وأخذ المقلاع، ومضى نحو جالوت، وكان جالوت من أشد الرجال، وأقواهم، وكان يهزم الجيش وحده، وكان له يبضة فيها ثلاثمائمة رطل حديدا١ فلما نظر إلى داود ألقى الله في قلبه الرعب، وبعد مقاومة بينهما، وتوعد كل منهما الآخر، أخرج داود حجرا من مخلاته، ووضعه في مقلاعه وقال: باسم إله إبراهيم، ثم أخرج الآخر وقال: باسم إله إسحاق، ووضعه في مقلاعه، ثم أخرج الثالث وقال:

باسم إله يعقوب، ووضعه في مقلاعه، فصارت كلها حجرا واحدا، ودور داود المقلاع، ورمى به، فسخر له الله الريح، حتى أصاب الحجر أنف البيضة، فخلص إلى دماغه، وخرج من قفاه، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا، وهزم الله تعالى الجيش، وخر جالوت قتيلا، فأخذه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح جيش طالوت فرحا شديدا، وانصرفوا إلى مدينتهم، والناس يذكرون بالخير داود.

فجاء داود طالوت، وقال له: أنجز لي ما وعدتني، فقال: وأين الصداق؟، فقال له داود: ما شرطت على صداقا غير قتل جالوت، ثم اقترح عليه طالوت أن يقتل مائتي رجل من أعدائهم، ويأتيه بغلفهم٢، ففعل، فزوجه طالوت ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود، وأحبوه، وأكثروه ذكره، فحسده طالوت، وعزم على قتله، فأخبر ابنة طالوت رجل من أتباعه، فحذرت داود، وأخبرته بما عزم أبوها عليه، وبعد مغامرة من طالوت لقتل داود، ومكيدة وحيلة من داود، أنجى الله داود منه، فلما أصبح الصباح، وتيقن طالوت أن داود لم يقتل، خاف منه، وتوجَّس خيفة، واحتاط لنفسه، ولكن الله أمكن داود منه ثلاث مرات، ولكن لم يقتله، ثم كان أن فر داود من


١ البيضة: ما يلبسه المحارب على رأسه، وهذا من أكاذيبهم، وتخريفاتهم، ولا أدري عاقل يدري كيف يمكن لجالوت أن يحارب، وعلى رأسه هذا القدر من الحديد؟ أي: نحو مائة وخمسين كيلو جراما من الحديد، ولعل الرطل في زمانهم كان أثقل من رطلنا اليوم، فيكون حمل على رأسه ما يزيد على ثلاثة قناطير من الحديد ومما ذكروه في وصفه أن ظله كان ميلا، وهذا ولا شك خرافة.
٢ الغلفة بضم الغين القطعة التي تقطع من الصبي عند الختان.

<<  <   >  >>