للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصاموا وسألوا، فلست منه على ثلج {قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} .

ليس هذا شكا في إيمانهم، وإنما هو أسلوب معهود، حملا على التقوى، كما قال تعالى في حق المؤمنين الصادقين، من هذه الأمة المحمدية: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} ١ والمعنى: اتقوا الله ولا تسألوه، فعسى أن يكون فتنة لكم، وتوكَّلوا على الله في طلب الرزق، أو اتقوا الله ودعوا كثرة السؤال؛ فإنكم لا تدرون ما يحل بكم عن اقتراح الآيات؛ لأن الله سبحانه إنما يفعل الأصلح لعباده {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} ١، من أهل الإيمان بالله ورسله، ولا سيما أنه سبحانه آتاكم من الآيات ما فيه غنية عن غيره {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} بدأوا بالغذاء المادي، ثم ثنوا بالغذاء الروحي، فقالوا: {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} ، وهو مثل قول الخليل إبراهيم عليه السلام: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ٢. {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} أي: نزداد علما، ويقينًا بصدقك، وحقيقة رسالتك: {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي: المقرين المعترفين لله بالوحدانية، ولك بالنبوة، والرسالة، أو: من الشاهدين عليها لمن لم يرها ويعاينها.

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} .

العيد: يوم الفرح والسرور، {لِأَوَّلِنَا} : لأول أمتنا، {وَآخِرِنَا} : لآخر أمتنا أو لنا، ولمن بعدنا.

{وَآيَةً مِنْك} أي: دليلا، وحجة على قدرتك، على كل شيء، وعلى إجابتك لدعوتي، فيصدقوني فيما أبلغه عنك، {وَارْزُقْنَا} أي: من عندك رزقًا هنيئًا لا كلفة فيه، ولا تعب، {وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} أي: خير من أعطى ورزق؛ لأنك الغني الحميد.

{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} .


١ الأنفال: ١.
٢ البقرة: ٢٦٠.

<<  <   >  >>