للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحسن نية، وليس تفسير الآية متوقفا على كل هذا الذي رووه، والذي يجب أن نؤمن به، أن الله أنزل الألواح على موسى، وفيها التوراة١، أما هذه الألواح مم صنعت؟ وما طولها وما عرضها؟ وكيف كتبت؟ فهذا لا يجب علينا الإيمان به، والأَوْلى عدم البحث فيه؛ لأن البحث فيه لا يؤدي إلى فائدة، ولا يوصل إلى غاية،

ومن ذلك: ما يذكره بعض المفسرين في قوله تعالى: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} فقد جعلوا التوراة مشتملة على كل ما كان وكل ما يكون، وهذا مما لا يعقل، ولا يصدق، فمن ذلك: ما ذكره الإمام الآلوسي في تفسيره قال: وما أخرجه الطبراني، والبيهقي في "الدلائل" عن محمد بن يزيد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب، ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يراق ببقعة من الأرض مثله.

فقال قيس: ما يدريك؟ فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله تعالى به؟!! فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى، ما يكون منه، وما يخرج منه إلى يوم القيامة!!

وهو من المبالغات التي روي أمثالها عن كعب ولا نصدق ذلك، ولعلها من الكذب الذي لاحظه عليه الصحابي الداهية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على ما أسلفنا سابقا، ولا يعقل قط أن يكون في التوراة كل أحداث الدنيا إلى يوم القيامة.

والمحققون من المفسرين سلفا وخلفا على أن المراد أن فيها تفصيلا لكل شيء، مما يحتاجون إليه في الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح مما يلائم شريعة موسى وعصره، وإلا فقد جاء القرآن الكريم بأحكام وآداب، وأخلاق لا توجد في التوراة قط.

وقد ساق الإمام الآلوسي هذا الخبر؛ للاستدلال به لمن يقول: إن كل شيء عام،


١ وقيل: إن الألواح أعطيها موسى قبل التوراة والصحيح الأول.

<<  <   >  >>