للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها، وكان من قبلهم إذا تصدق بصدقة، فقبلت منه بعث الله نارا فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة، إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون، والمشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال قتادة: فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة محمد.

أقول: إن آثار الوضع والاختلاق بادية عليه، والسند مطعون فيه، وهي أمور مأخوذة من القرآن، والأحاديث، ثم صيغت هذه الصياغة الدقيقة، وجعلت على لسان موسى عليه السلام والظاهر المتعين أن إلقاء سيدنا موسى بالألواح إنما كان غضبا وحمية لدين الله وغيره لانتهاك حرمة توحيد الله تبارك وتعالى وأما ما ذكره قتادة فغير مسلم.

وإليك ما قاله الإمام الحافظ الناقد ابن كثير في تفسيره١ قال: "ثم ظاهر السياق أنه -أي: سيدنا موسى- ألقى الألواح؛ غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة، وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرد، وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذابون، ووضاعون، وأفاكون، وزنادقة.

وصدق ابن كثير فيما قال، وأرجح أن يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الأنبياء بمظر المتحاسدين، لا بمظهر الإخوان المتحابين.

وقال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} أي: مما اعتراه من الغضب والأسف، حين أشرف على قومه، وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم، قاله سعيد بن جبير ولذا قيل: "ليس الخبر كالمعاينة"، ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح، ولا يصح أن إلقاء الألواح إنما كان لما رأى من فضيلة أمة محمد.


١ تفسير ابن كثير والبغوي ج ٣ ص ٧٥٥.

<<  <   >  >>