للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدرى كيف كان لا يتهم بالكذب، وما زعم كذب لا شك فيه، فهل بقي كلب أصحاب الكهف حتى الإسلام؟! وكذلك ذكروا أخبار غرائب في الرقيم، فمن قائل: إنه قرية، وروي ذلك عن كعب الأحبار، ومن قائل: إنه وادٍ بفلسطين، بقرب أيلة، وقيل: اسم جبل أصحاب الكهف إلى غير ذلك مع أن الظاهر أنه كما قال كثير من السلف أنه: الكتاب أو الحجر الذي دون فيه قصته وأخبارهم، أو غير ذلك، مما الله أعلم به، فهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مرقوم، وفي الكتاب الكريم: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون} ١، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ، كِتَابٌ مَرْقُوم} ٢.

وفي هذه الأخبار: الحق والباطل، والصدق والكذب، وفيها: ما هو محتمل للصدق والكذب، ولكن فيما عندنا غنية عنه، ولا فائدة من الاشتغال بمعرفته وتفسير القرآن به، كما أسلفنا عن ابن تيمية، بل الأولى والأحسن، أن نضرب عنه صفحًا، وقد أدَّبنا الله بذلك حيث قال لنبيه بعد ذكر اختلاف أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ٣.

وغالب ذلك ما أشرنا إليه وغيره متلقى عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وحمله عنهم بعض الصحابة والتابعين لغرابته، والعجب منه، قال العلامة ابن كثير في تفسيره: "وفي تسميتهم بهذه الأسماء، واسم كلبهم نظر في صحته والله أعلم، قال: غالب ذلك تُلُقِّيَ من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي: سهلا هينا لينا: فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة "ولا تستفت فيهم منهم أحدا! أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولون من تلقاء أنفسهم، رجما بالغيب، أي: من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه، فهو المقدم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال"٤.


١ المطففين ١٩، ٢٠.
٢ المطففين: ٨، ٩.
٣ الكهف: ٢٢.
٤ تفسير ابن كثير عند قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} .

<<  <   >  >>