للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنساه، وأنساهم ما سألته عنه.

وأن الشياطين خافوا لو تزوجها سليمان، وجاءت بولد، أن يبقوا في عبوديته، فصنعوا له هذا الصرح الممرد١، فظنَّته ماء، فكشفت عن ساقيها لتعبره، فإذا هي شعراء، فاستشارهم سليمان: ما يذهبه؟. فجعلت له الشياطين النورة٢.

قال العلامة ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر بعض المرويات: والأقرب في مثل هذه السياقات: أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم، كرواية كعب، ووهب، سامحهما الله فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد٣، والغرائب والعجائب مما كان، وما لم يكن، ومما حرف، وبدل، ونسخ، وقد أغنانا الله عن ذلك ما هو أصح منه، وأنفع، وأوضح، وأبلغ، ولله الحمد والمنة.

التفسير الصحيح لبناء الصرح:

والحق: أن سليمان عليه الصلاة والسلام أراد ببنائه الصرح: أن يريها عظمة ملكه، وسلطانه، وأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك ومن أسباب العمران والحضارة ما لم يعطها، فضلًا عن النبوة التي هي فوق الملك، والتي دونها أية نعمة، وحاشا لسليمان عليه السلام وهو الذي سأل الله أن يعطيه حكما يوافق حكمه -أي: الله، فأوتيه أن يتحايل هذا التحايل، حتى ينظر إلى ما حرم الله عليه، وهما ساقاها، وهو أَجَلُّ من ذلك وأسمى.

ولولا أنها رأت من سليمان ما كان عليه من الدين المتين، والخلق الرفيع، لما أذعنت إليه لما دعاها إلى الله الواحد الحق، ولما ندمت على ما فرط منها من عبادة الكواكب والشمس، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.


١ الصرح: هو القصر المشيد المحكم البناء، المرتفع في السماء، والممرد: الناعم الأملس، القوارير: الزجاج الشديد الصفاء.
٢ تفسير ابن كثير والبغوي ج ٦ ص ٢٨٦، ٢٨٩.
٣ جمع آبدة: وهي: الأمور المشكلة البعيدة المعاني، واصل الآبدة النافرة من الوحش التي يستعصى أخذها، ثم شبه بها الكلام العويص المعاني.

<<  <   >  >>