للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأكلت الأرض جبينه، وهو يقول في سجوده: "رب ذل داود ذلة أبعد مما بين المشرق والمغرب، رب إن لم ترحم ضعف داود، وتغفر ذنوبه جعلت ذنبه حديثا في المخلوق من بعده، فجاء جبريل عليه السلام من بعد أربعين ليلة، فقال: يا داود إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة، فقال: يا رب دمي الذي عند داود قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك، فإن شئت لأفعلن، فقال، نعم، فعرج جبريل، وسجد داود عليه السلام، فمكث ما شاء الله، ثم نزل، فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلني فيه، فقال: قل لداود: إن الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: فإن لك في الجنة ما شئت، وما اشتهيت عوضًا"، وقد رواها البغوي أيضا عن طريق الثعلبي١ والرواية منكرة مختلقة على الرسول. وفي سند هذه الرواية المختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن لهيعة، وهو مضعف في الحديث، وفي سندها أيضا: يزيد بن أبان الرقاشي، كان ضعيفا في الحديث.

وقال فيه النسائي، والحاكم أبو أحمد: إنه متروك، وقال فيه ابن حبان: كان من خيار عباد الله، من البكائين بالليل، غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة، حتى كان يقلب كلام الحسن يجعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة التعجب٢.

وقال العلامة ابن كثير في تفسيره٣: "وقد ذكر المفسرون ههنا قصة، أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، ويزيد وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة".

ومن ثم يتبين لنا: كذب رفع هذه الرواية المنكرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نكاد نصدق ورود هذا عن المعصوم، وإنما هي اختلاقات، وأكاذيب من إسرائيليات أهل


١ تفسير البغوي على هامش تفسير ابن كثير ج ٧ص ١٩١، ١٩٢، الدر المنثور ج٥ ص ٣٠٠-٣٠١.
٢ تهذيب التهذيب ج١١ ص ٣٠٩.
٣ ج ٧ ص ١٨٩ "ط المنار".

<<  <   >  >>