للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر ما رواه ابن أبي حاتم بسنده، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب، والبعيد، إلا رجلين من إخوانه له، كانا يغدوان إليه، ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام: ما أدرى ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أَمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده، حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه،: أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب".

وقال ابن كثير: رفع هذا الحديث غريب جدا، وقال الحافظ ابن حجر: وأصح ما ورد في قصته: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وصححه ابن حبان، والحاكم، بسند عن أنس: أن أيوب ... ثم ذكر مثل ذلك.

أقول: والمحققون من العلماء على أن نسبة هذا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم إما من عمل بعض الوضاعين الذين يركبون الأسانيد للمتون، أو من غلط بعض الرواة، وأن ذلك من إسرائيليات بني إسرائيل وافتراءاتهم على الأنبياء، والأصحية هنا نسبية، على أن صحة السند لا تنافي أن أصله من الإسرائيليات، كما قلت مرارًا، والإمام الحافظ ابن حجر على جلالته ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الأدلة العقلية والنقلية، كما فعل في قصة الغرانيق، وهاروت وماروت وكل ما روي موقوفا أو مرفوعا لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه، في قصة أيوب، التي أشرنا إليها آنفا، وما رواه ابن إسحاق أيضا، فهو مما أخذه عن وهب، وغيره.

وهذا يدل أعظم الدلالة على أن معظم ما روي في قصة أيوب مما أخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وجاء القصاصون المولعون بالغرائب، فزادوا في قصة أيوب، وأذاعوها، حتى اتخذ منها الشحاذون، والمتسولون وسيلة لاسترقاق قلوب الناس، واستدرار العطف عليهم.

<<  <   >  >>