للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جناحه على وجه القمر ثلاث مرات، وهو يومئذ شمس فمحا عنه الضوء، وبقي فيه النور، فذلك قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} فالسواد الذي ترونه في القمر هو: أثر ذلك المحو".

وكذلك روى هذا الباطل ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وسنده واهٍ؛ لأن فيه نوح بن أبي مريم وهو وضَّاع دجال وقد حكم عليه ابن الجوزي بالوضع والاختلاق١, ومنشؤه من الإسرائيليات التي ألصقت بالنبي زورا، وفيه من الركاكة اللفظية، والمعنوية ما يشهد بوضعه على النبي، وليس عليه شيء من نور النبوة.

وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض للكونيات بهذا التفصيل، ولما سئل عن الهلال لم يبدو صغيرا ثم يكبر حتى يصير بدرا، ثم يصغر، أجاب بالفائدة، فقال: {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} ؛ لأن بالأهلة تعرف السنون، والشهور، وعليها تتوقف مصالح الناس الدينية والدنيوية، فيها يعرفون حجهم، وصومهم، وإخراج زكاتهم، وحلول آجال ديونهم ونحوها، وليس من الحكمة التعرض لمثل هذه الكونيات بالتفصيل، فتركها لعقول الناس، وإدراكاتهم أولى، ولا سيما أنه لا يتوقف على معرفة الأمة لمثل هذه الأمور فائدة دينية، والقرآن والسنة النبوية حينما يعرضان للحديث عن الكونيات يكون غرضهما انتزاع العبرة، والاستدلال بما أودع فيهما على وجود الله جل وعلا، ووحدانيته، وقدرته، وعلمه، وسائر صفاته ولذلك لا نقف فيما صح وثبت من الأحاديث على مثل هذا التفصيلات التي نجدها في الآثار الضعيفة، والإسرائيليات الباطلة.

ويعجبني في هذا ما نقله الآلوسي في تفسيره، عن بعض العلماء قال: "وذكر بعض الفضلاء: أنه لم يجئ في ترتيب الأجرام العلوية، والسفلية، وشرح أحوالهما كما فعل الفلاسفة عن الشارع شيء؛ لما أن ذلك ليس من المسائل المهمة في نظره عليه الصلاة والسلام وليس المهم إلا التفكر، والاستدلال بها على وحدة الصانع، وكماله جل شأنه وهو حاصل بما يحسن منها فسبحان من رفع السماء بغير عمد، ومد الأرض، وجعل فيها رواسي"٢.


١ اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج١ ص ٢٤ وما بعدها.
٢ تفسير الآلوسي ج ١٣ ص ٩٩ ط/ منير.

<<  <   >  >>