للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يجوز الخوض في تفسيره وما لا يجوز:

من التفسير ما هو ظاهر واضح، يعلمه العالم باللسان العربي، ومنه ما لا يعذر أحد بجهالته، ومنه ما لا يجوز التكلم فيه إلا للعلماء الراسخين في العلم، ومنه ما لا يجوز الاشتغال به؛ لأنه مما استأثر الله بعلمه، فلا يخرج منه الباحث بطائل.

وقد أُثِرت عن الصحابي الجليل حبر القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مقالة في هذا يستحسن أن نذكرها، فقد أخرج ابن جرير وغيره من طرق، عن ابن عباس، قال: "التفسير أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى" ثم رواه مرفوعا١ بسند ضعيف، بلفظ: "أُنزِلَ القرآن على أربعة أحرف أي أوجه: حلال، وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير العرب وتفسير تفسيره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب، وفي إسناده محمد بن السائب الكلبي، وهو متَّهم بالكذب٢ وقد وضح لنا كلمة ابن عباس، وشرحها الإمام الزركشي في البرهان فقال:

هذا تقسيم صحيح، فأما الذي تعرفه العرب فهو: الذي يُرجَعُ فيه إلى لسانهم، وكذلك: اللغة والإعراب فعلى المفسر معرفة معانيها، ومسميات أسمائها، ولا يلزم ذلك القارئ، ثم إن كان ما يتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين، وإن كان يوجب العلم لم يُكتفَ بذلك، بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر، وأما الإعراب: فما كان اختلافه محيلا للمعنى: وجب على المفسر والقارئ تعلمه؛ ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم، ويسلم القارئ من اللحن، وإن لم يكن محيلا للمعنى: وجب تعلمه على القارئ؛ ليسلم من اللحن، ولا يجب على المفسر لوصوله إلى المقصود بدونه٣.

وأما ما لا يعذر أحد بجهله: فهو ما تتبادر النصوص إلى معرفة معناه من النصوص.


١ المرفوع: ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي.
٢ تفسير ابن كثير والبغوي ج١ ص ١٥ ط المنار.
٣ مثال ذلك قول الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسواء أعرب لفظ السماء مبتدأ أو جعل فاعلا لفعل محذوف، فالمعنى لا يختلف لكن الرفع لازم للقارئ، ولو قرأ بالنصب يعتبر لاحنا.

<<  <   >  >>