للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، وأفضل الأنبياء والمرسلين، وأول شافع وأول مشفع قد حذرنا من الغلو فيه، والإسراف في مدحه، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني١ كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله رسوله" ٢.

وحين جاءه ناس فقالوا له: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: "يا أيا الناس! قولو بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، وأنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل" ٣.

فإذا كان هذا النهي في حقه صلى الله عليه وسلم: أن لا يزاد في مدحه، فغيره أولى أن لا يزاد في مدحهم.

وليست المبالغة في مدحه صلى الله عليه وسلم دليلا على محبته، فإن المحبة إنما تعلم بالاتباع، ولو كان هؤلاء المسرفين في المدح صادقين في حبه صلى الله عليه وسلم، لامتنعوا عن الغلو فيه؛ لأنه نهى عن ذلك، وأمرنا أن ننتهي عما نهانا عنه. يقول صلى الله عليه وسلم: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" ٤.

ونحن نحبه صلى الله عليه وسلم، وهو أحب إلينا من أنفسنا، وآبائنا، وأبنائنا، وأهلينا، وأموالنا.

ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. فلا نفعل ما نهانا عنه من الغلو فيه، ومجاوزة الحد في شخصه الكريم.

المسألة الثانية: تصوير الأنبياء والصالحين، واتخاذ تماثيل لهم:

لقد كان سبب وقوع أول شرك في بني آدم، هو الغلو في الأشخاص وتقديسهم، واتخاذ تماثيل لهم؛ فقد روى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-


١ الإطراء: المدح والزيادة في الثناء. "المعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين ص٥٥٦".
٢ صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} .
٣ أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ١٥٣، ٢٤١.
٤ صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>