للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا حكم التنجيم، مع الدليل:

قبل الحديث عن حكم التنجيم، تجدر الإشارة إلى أن التنجيم نوعان:

أحدهما: مباح، وهو ما يعرف بعلم الحساب، أو علم التسيير؛ كمعرفة وقت الكسوف، والخسوف، والرصد، وهبوب الرياح، واتجاهاتها، مع الاعتقاد الجازم أن كل شيء يجري في هذا الكون بقضاء الله وقدره. وعند الإخبار بشيء من ذلك يقيد الكلام بمشيئة الله، وبعبارة التوقع؛ فهذا قال العلماء بجوازه. ولا يدخل تحت هذه المسألة١.

أما النوع الثاني: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية؛ فيدعي المنجم أنه من خلال النظر في النجوم يمكن أن يعرف ما سيقع في الأرض؛ من نصر قوم، أو هزيمة آخرين، أو موت أو حياة، أو قيام أو زوال، أو خسارة لرجل، وربح لآخر.

فهذا النوع هو المراد بهذه المسألة، وهو محرم، وصاحبه يعتبر كافر كفار بواحا إذا اعتقد أن للنجوم تأثيرا ذاتيا في الحوادث الأرضية.

ومن الأدلة على تحريم التنجيم: أن الله عز وجل إنما خلق النجوم زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدي بها. لم يخلقها سبحانه للاستدلال بها على ما يجري على الأرض.

يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: ٥] ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٩٧] .

وقد دلت السنة على تحريم التنجيم؛ فمن ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" ٢. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها: النجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان" ٣.


١ انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص٤٤٨. والمجموع الثمين للشيخ ابن عثيمين ٢/ ١٤١-١٤٢. والتنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام للدكتور عبد المجيد المشعبي ص١٦٠-١٦٢، ٣٠٥-٣٢٠.
٢ أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الطب، باب في النجوم. وابن ماجه في السنن، كتاب الأدب، باب تعلم النجوم. وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٧٩٣، وفي صحيح سنن أبي داود ٢/ ٧٣٩، وفي صحيح سنن ابن ٢/ ٣٠٥.
٣ أخرجه الطبراني في المعجم في الكبير، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/ ٢٠٣، وقال: "فيه ليث بن أبي سليم، وهو لين، وبقية رجاله وثقوا" وقال الألباني: "الحديث له شواهد كثير يرتقي بها إلى درجة الصحة في نقدي". "السلسلة الصحيحة ٣/ ١١٩، رقم ١١٢٧".

<<  <   >  >>