للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرع الثالث: الشرك طارئ على البشرية

فهمنا مما تقدم أن الشرك نوع من أنواع الانحراف عن جادة الحق والفطرة، وأنه ليس الأصل، كما زعم من زعم. والأدلة على ذلك كثيرة، منها:

١- لقد كانت البشرية الأولى، أو ذرية آدم عليه السلام المولودة على الفطرة -والفطرة هي دين الإسلام الذي رضيه الله عز وجل وارتضاه لعباده١- كانت على الإسلام طيلة عشرة قرون٢.

٢- يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله الله سبحانه وتعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة} [البقرة: من الآية ٢١٣] : "كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام"٣.

فالتوحيد هو أصل البشرية، منذ خلق الله آدم عليه السلام، حتى وقع الشرك في قوم نوح عليه السلام.

٣- أول شرك وقع في الخليقة هو شرك قوم نوح عليه السلام، وسبب كفرهم وتركهم دينهم هو غلوهم في الصالحين؛ فمعبوداتهم التي عكفوا عليها وتعصبوا لها، وقالوا عنها: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: ٢٣] ، هي "أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا. فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم، عبدت"٤، كما قال الحبر ابن عباس رضي الله عنهما.

فالشرك طارئ على البشرية، وأول ما وقع في قوم نوح عليه السلام، بعد ألف سنة من آدم عليه السلام.

٤- بعث الله عز وجل الرسل تترى؛ كلما ضلت أمة وانحرفت عن التوحيد، بعث إليها رسولا يعيدها إلى الجادة ويبصرها بضلالها، كي ترعوي، وتعود إلى الحق. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية ٣٦] .


١ انظر كلمات في الأخلاق الإسلامية للدكتور كمال محمد عيسى ص٨٣.
٢ انظر: معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ٢/ ٦٧٨، وأضواء البيان للشيخ الشنقيطي ١/ ٢٨٦.
٣ أخرجه الطبري في تفسيره ٢/ ٣٣٤, والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٤٢، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
٤ صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: {وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} .

<<  <   >  >>